نقدم لكم في اشراق العالم 24 خبر بعنوان “هل يجد التحذير الأميركي من مهاجمة إسرائيل آذانا صاغية في طهران؟”
خلال سنوات تمردها، استغلت حركة طالبان كل ما يمكن للوسائط البصرية أن تمنحه على صعيد الدعاية والتأثير والاستقطاب، فأخرجت مئات الإصدارات المرئية، ووثقت آلاف العمليات التي نفذها عناصرها، وأنتجت أفلاما تؤرخ لسير زعمائها ومؤسسيها، وبدا أن الحركة قد تجاوزت مواقفها المتشددة من “التصوير” والتي تبنتها إبان فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001.
لكن ما أن تولت السلطة مرة أخرى، عادت إلى مواقفها السابقة من التصوير، وعززتها بترسانة من القوانين التي صاغتها وزارة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، لتحيي بذلك جدلا قديما عن حكم تصوير الكائنات الحية، أو “تصوير ذوات الأرواح” كما كان رائجا في الخطاب الإسلاميوي المعاصر، وأججت مرة أخرى سجالا خامدا بين الإسلاميين ظن الجميع أن التاريخ قد تجاوزه.
خلاف قديم
لم تكن حركة طالبان أول من طرح أفكارا متشددة بشأن التصوير، بل سبقها إلى ذلك شيوخ وتيارات ومؤسسات إسلامية، رأت في التصوير بكل أشكاله وتقنياته “إثما كبيرا ومنازعة لله في خصائصه”. فالخلق والتكوين والتصوير -بزعمهم- من خصائص الله وحده، ولا يجوز للعباد التجرؤ على محاكاة صنيع الله برسم لوحة أو التقاط صورة أو حتى تسجيل مقطع مرئي متحرك.
لكن مع تحول التصوير والتسجيل في عصر الفضائيات إلى صناعة تدر ملايين الدولارات، ودخول الشيوخ والمؤسسات الدينية غمار هذا الاستثمار المربح، – وبعضهم كان من المتشددين سابقا في حظر التصوير – خفتت الأصوات المحرمة للتصوير وتقنياته إلى أن اختفت تماما، وحل محل التحريم منافسة محمومة على حصد المشاهدات، واستقطاب الجماهير، وتجويد تقنيات العرض من خلال الاستوديوهات الفاخرة، والمؤثرات الصوتية والبصرية المتقنة. وأطاحت شعبية الشيوخ منذ 2005 إلى 2011 بشعبية مشاهير الفن والغناء والسينما في العالم العربي، وصار للشيخ وكيل أعمال يبرم له العقود، ويفاوض شركات الإنتاج، وينتقل من فضائية إلى أخرى، أو يحصر خدماته في واحدة فقط بموجب عقد احتكار.
وأصدرت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية عشرات الفتاوى تحرم فيها التصوير بكافة أشكاله وتقنياته، كالفتوى رقم 15952 التي اعتبرت أن التصوير بالآلات الحديثة “حرام وكبيرة من الكبائر”. والفتوى رقم 16259 التي تحث عن إتلاف صور الإنسان والحيوان وكل ذوات الأرواح. والفتوى التي تحرم تسجيل مقاطع الفيديو وترى أن “تصوير الفيديو كالتصوير الفوتوغرافي في المنع والتحريم”.
وحرمت فتاوى أخرى وقعتها اللجنة كل أنواع الصور، كصور التذكار والعائلة، وصور العلامات التجارية التي تكون على هيئة إنسان أو حيوان، والصور التعليمية التي توضع في الكتب المدرسية، ولم تستثن سوى صور الهويات الشخصية وجوازات السفر.
كان يشرف على أعمال اللجنة حينها شيوخ يحظون بالتقدير في العالم الإسلامي مثل عبد العزيز بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية من سنة 1992 إلى 1999، وعبد العزيز آل الشيخ خلفه في المنصب إلى يومنا هذا، وصالح الفوزان، وبكر أبو زيد وغيرهم.
إلى جانب آراء التحريم، ظهرت أيضا أصوات تجيز التصوير، وترى أن الأحاديث والنصوص الواردة في حرمته لا يمكن إسقاطها على تقنيات التصوير الحديثة، وأن المعني بها هم النحاة وصناع التماثيل التي يتخذها الناس للعبادة، وكان من هؤلاء كثير من شيوخ الأزهر، ومفتى مصر الأسبق أحمد هريدي الذي أجاز “اتخاذ الصور التي لا ظل لها، أو الصور ذات الأغراض التعليمية والبحثية”. وسلفه في الإفتاء للديار المصرية، محمد بخيت، الذي أصدر كتيبا بعنوان ” الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي”، والشيخ محمد متولى الشعراوي، ومحمد الغزالي، إلى جانب كل شيوخ الحركات الإسلامية وكان من أبرزهم الداعية المصري الراحل يوسف القرضاوي.
دخل القرضاوي في سجالات طويلة مع شيوخ الدعوة السلفية الذين يحرمون التصوير، وخصص حيزا في كتبه القديمة لشرح وجهة نظره في الموضوع، والدفاع عنها، وكان يحاول اقناع مخالفيه بأن التصوير الحديث هو انعكاس وليس خلقا أو تكوينا، وأن “الصور الفوتوغرافية شيء مستحدث لم يكن في عصر الرسول فكيف ينطبق عليه ما ورد من أحاديث في التصوير” وسرد في كتابه الأشهر “الحلال والحرام في الإسلام” ما اعتبرها أدلة على إباحة التصوير.
مراجعات
كانت الآراء المتشددة في تحريم التصوير رائجة في السبعينيات والثمانينيات، لكن ابتداءً من أواسط التسعينيات، أخذت حدة هذه الآراء تتراجع وتختفي رويدا رويدا.
وقد حصل مع التصوير ما حصل مع كثير من منتجات الحضارة الحديثة التي قوبلت في أول ظهورها في البلدان الإسلامية بالنكير والتحفظ لكن تم التطبيع معها أخيرا لتصير جزءا من الحياة اليومية. فقد مُنع تدريس اللغات الأجنبية، والفلسفة، كما لم تنفذ بعض النظريات العلمية إلى داخل أسوار مدارس العالم الإسلامي إلا في العهد القريب، لاسيما النظريات التي تفسر أصل الكون أو تشير إلى كروية الأرض وغيرها، بل عانى الشاي كثيرا من فتاوى الحظر قبل أن يجد لنفسه مكانا على موائدنا.
واعتبارا من أواسط التسعينيات، بدأت ثورة الصورة والفيديو تعصف بفتاوى التحريم، فالتصوير لم يكن تقنية عابرة كما تخيلها بعض الشيوخ، بل عنوانا لعصر جديد سيحل على البشرية، إنه العصر الرقمي، بابتكاراته وتجلياته المدهشة. وبدت فتاوى التحريم كتجديف يائس عكس حركة التاريخ.
تراجع الشيوخ الذين حرموا التصوير عن بعض مواقفهم المتشددة، بمن فيهم عبد العزيز بن باز نفسه، الذين كان قد حرم تسجيل أفلام الفيديو حتى وإن كانت لأغراض تعليمية أو دعوية، تراجع أخيرا عن آرائه وظهر بنفسه في مقاطع مصورة. وأصدر محمد بن صالح العثيمين الفقيه السعودي الأشهر وعضو هيئة كبار العلماء فتوى أباح فيها تصوير الفيديو لأن “صور الفيديو ليس لها مظهر وإنما هي مجرد موجات كهرومغناطيسية”. محمد ناصر الدين الألباني الداعية السلفي الأردني من أصول ألبانية تراجع أيضا عن فتواه بتحريم التصوير، وتوقف عن إصدار الأحكام بشأنه.
ولم يكد يدخل القرن الواحد والعشرين حتى اختفت معظم الفتاوى التي تحرم التصوير، أو تحولت إلى مواقف ناشزة لا تلقى أي اهتمام أو تأثير في العالم الإسلامي، بل أضحت عنوانا على التخلف، والعجز عن استيعاب التطورات الحضارية حتى في مظاهرها الإيجابية.
ومع انتشار الفضائيات وشيوع ثقافة التلفزيون، انتقل الخطاب الديني من المسجد والمنبر إلى الشاشة، وتناسلت في وقت قصير مئات الفضائيات التي تبث برامجها الدينية على مدار الساعة، وظهرت طبقة من نجوم الشاشة الشيوخ، الذين نجحوا في استقطاب شرائح واسعة من المشاهدين. المفارقة هنا أن بعضهم كان ممن يفتي سابقا بحرمة التصوير. فتحول التصوير من ” إثم عظيم ومعصية كبيرة” إلى سوق للتنافس بين الشيوخ، وقد انسحب أحدهم ذات يوم من قناة تلفزيونية لأنها تعاقدت مع شيخ آخر!
يرصد المفكر السعودي عبد الله الغذامي في كتابه “الفقيه الفضائي” ظاهرة التحول من تحريم التلفزيون والأطباق اللاقطة إلى التنافس عليها، فيقول: “لما جاءت الفضائيات قامت قائمة المنابر ضدها حتى صار كثير من الناس يداري ويحتال لكيفية وضع الأطباق على سطح بيته تجنبا لما يُخاف منه من ملامة وتشهير. كان هذا في مطلع التسعينيات وما هي إلا سنتان أو ثلاث حتى تغير الوضع كله وأخذت الناس تنسى فكرة التحريم والمحاذرة، ليجدوا أنفسهم تحت طائلة الحث والندب لمشاهدة البرامج الدينية، وما هو أكثر من ذلك إذ غزت الفضاء محطات إسلامية متنوعة وبلا حصر وصار سباق تنافسي حي ومباشر على احتلال موقع في هذا الفضاء”.
التحريم مجددا
رغم التباين الذي يصل أحيانا إلى درجة العداء بين التيار السلفي الوهابي وبين حركة طالبان بعقيدتها الديوبندية، فهما يتقاطعان في كثير من المواقف، ومنها الموقف من “تصوير ذوات الأرواح”، غير أن التيار السلفي تجاوز فتاوى المنع والتحريم ولم يعد يتداولها في مؤلفاته بينما ظلت طالبان متمسكة بمواقفها القديمة، والتي كرستها مؤخرا بقانون صادر عن وزارة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، بعدما أقره زعيم الحركة هيبة الله آخنذ زاده.
وتنص المادة الـ17 من هذا القانون المكون من 35 مادة على أن “على الموظفين العاملين في وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطبيق هذا القانون من خلال منع نشر تصوير الكائنات الحية في وسائل الإعلام”.
وقال المتحدث باسم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سيف الإسلام خيبر، إن وسائل الإعلام الحكومية في ولايات تخار وميدان ووردك وقندهار قد طُلب منها عدم بث أو عرض صور أي شيء له روح – أي البشر والحيوانات، وأضاف أن “القانون يسري على جميع أنحاء أفغانستان، وسيتم تطبيقه تدريجياً”.
الأسبوع الماضي أفادت وسائل إعلام أن مدير عام الإذاعة والتلفزيون الوطني في أفغانستان، قاري يوسف أحمدي، اجتمع برؤساء فروع التلفزيون والإذاعة، وأخبرهم بأن زعيم طالبان الملا هبة الله آخوندزاده، ضغط عليهم من أجل وقف بث القنوات التلفزيونية لتصويرها الكائنات الحية، وتحويل جميع القنوات إلى محطات إذاعية فقط.
الإشكالية أن هناك شخصيات من طالبان لم يرق لها القانون الجديد، لا سيما أولئك الذين دأبوا على الظهور في وسائل الإعلام وفي مقدمتهم رموز شبكة حقاني، الذين يملكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتفاعلون مع وسائل الإعلام الأجنبية، وقد بث هؤلاء مقطع فيديو لمؤسس الشبكة جلال الدين حقاني وهو يتحدث عن موقفه من التصوير، ويؤكد على جوازه، وضرورة توظيفه لصالح “الجهاد”.
رغم أن قانون الحظر دخل حيز التنفيذ، لا يزال آل حقاني ينشرون صورهم والمقاطع المرئية الخاصة بهم على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. فهل يكون حظر التصوير بداية الانقسام في صفوف الحركة؟
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.