فرنسا والمغرب والصحراء.. ماذا وراء البيان الجزائري الحاد؟
أخبار العالم

فرنسا والمغرب والصحراء.. ماذا وراء البيان الجزائري الحاد؟

نقدم لكم في اشراق العالم 24 خبر بعنوان “فرنسا والمغرب والصحراء.. ماذا وراء البيان الجزائري الحاد؟”

ببيان حادّ اللهجة، خرجت الجزائر، الخميس، لتتحدث عن تحول محتمل في الموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء الغربية، كاشفة أن باريس أبلغتها بقرار دعم خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لإنهاء النزاع، وهو ما اعتبرته الجزائر “قرارا غير موفق وغير مجدي”.

وجاء البيان الجزائري في وقت لم تصدر فيه باريس أو الرباط أي بلاغ ولا تعليق رسمي على الموضوع، ما يثير تساؤلات بشأن توقيت وخلفيات هذا التغيير المزعوم في الموقف الفرنسي والذي قد يمثل تحولا دبلوماسيا بارزا على مستوى علاقات باريس بالبلدين الجارين، في حال حصوله.

خلفيات “البيان الغاضب”

وأشار البيان الجزائري إلى أن الحكومة أخذت علما، بـ”أسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة”.

وهاجمت الجزائر فرنسا، والمغرب، معتبرة أن ما حدث هو تفاهم “القوى الاستعمارية القديمة والحديثة” التي “تعرف كيف تتماهى مع بعضها البعض وكيف تتفاهم مع بعضها البعض وكيف تمد يد العون لبعضها البعض”.

أستاذ العلاقات الدولية بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر، حسام حمزة، يقول إن المستجدات الأخيرة تكشف أننا باتجاه “أزمة عميقة بين الجزائر وباريس”.

ويضيف حمزة في تصريح لموقع “الحرة”، أن الجزائر  سترد على الموقف بطريقة “غير ودية” أو بـ”محاولة جعل فرنسا تحسّ بمدى الضرر الذي ألحقته بالجزائر وبقضية الصحراء الغربية”.

ويسيطر المغرب على 80 بالمئة من الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة، ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته، لكن جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر تسعى لإقامة دولة مستقلة عليها.

وتصنف الأمم المتحدة الصحراء الغربية ضمن “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”.

بيان جزائري شديد اللهجة تجاه فرنسا بعد “قرارها” بشأن الصحراء الغربية

أعربت الجزائر، الخميس، عن “أسفها الكبير واستنكارها الشديد” لقرار الحكومة الفرنسية حول الاعتراف بخطة الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية، وفق بيان لوزارة الخارجية الفرنسية.

ورفض مكتب وزير الخارجية الفرنسي التعليق لفرانس برس على بيان الخارجية الجزائرية، كما لم يصدر أي تعليق رسمي مغربي بشأن البيان الأخير.

وفي تحليل لصحيفة “لوموند” الفرنسية قالت إن نص البيان “لا يحدد المحتوى الدقيق للقرار الفرنسي الذي تم إبلاغه بها مسبقا، قبل الإعلان عنه رسميا في وقت لاحق”، مرجحة أن يكون ذلك بمناسبة زيارة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرباط قبل نهاية العام. 

وتورد اليومية الفرنسية، أنه يبقى من غير الواضح ما إذا كانت أزمة ثنائية جديدة تلوح في الأفق عند قراءة البيان، غير أنها تشير إلى أنها ستدخل “مرحلة من التوتر “، مشيرة إلى “استخدام تهديد مبطن”، من خلال تأكيد  الحكومة الجزائرية أنها “ستستخلص جميع النتائج المترتبة على هذا القرار الفرنسي الذي تتحمل الحكومة الفرنسية وحدها مسؤوليته الكاملة”.

ومن خلال إصدار تحذيرها الأخير، تسعى وزارة الخارجية الجزائرية، وفقا لـ”لوموند” إلى استباق التحول المرتقب في موقف باريس، هادفة إلى محاولة ردع هذا التغيير أو على الأقل تقليص مداه”، مما قد يشير إلى أن “الوضع لا يزال قابلا للتغيير في هذه المرحلة”.

في السياق ذاته، يرى مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية بالمغرب، عبد الفتاح الفاتحي، أن الجزائر “تحاول استباق القرار، من أجل التنبيه والتحذير كما كانت قد فعلت إبان صدور موقف مماثل من مدريد، وعلى ضوئه سحبت سفيرها  قبل أن تعيده وهددت بقطع العلاقات التجارية مع الجانب الإسباني”.

وفي العام الماضي، أعلنت إسبانيا القوة المستعمرة سابقا لإقليم الصحراء، عن تغيير في موقفها من النزاع معتبرة المقترح المغربي للحكم الذاتي “الأساس الأكثر جدية، واقعية ومصداقية لحل هذا النزاع”، وهي الخطوة التي دفعت الجزائر لسحب سفيرها من مدريد.

وبعد برود طغى على العلاقات بين البلدَين منذ خريف العام 2021، بدأت باريس والجزائر مسار تحسين هذه العلاقات بزيارة من زعيم الإليزيه إلى الجزائر، شهر أغسطس من العام الموالي. وحينها، وقّع مع تبون إعلانا مشتركا لاستئناف التعاون الثنائي، قبل أن تطفو خلافات جديدة ومتتالية على سطح علاقات البلدين، يرتبط أبرزها بالنقاش الدائر حول ملف الذاكرة والتاريخ الاستعماري الفرنسي للجزائر.

وختمت الخارجية الجزائرية بيانها الأخير بالقول إنها “ستستخلص كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار الفرنسي وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك”.

الجزائر تطالب فرنسا بـ”ممتلكات تاريخية” من الحقبة الاستعمارية

قدمت الجزائر قائمة مفتوحة لممتلكاتها “ذات الدلالات الرمزية” المحفوظة في مختلف المؤسسات الفرنسية، لاسترجاعها ضمن مهما اللجنة الجزائرية الفرنسية للتاريخ والذاكرة.

وبشأن مستويات وشكل الرد الجزائري على ما وصفته بـ”التحول” في الموقف الفرنسي، يقول حمزة، إنه “سيكون اقتصاديا أساسا، وذلك عبر إلغاء مشاريع وخطط تم الاتفاق عليها في زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر”.

ويُتوقع أن يؤثر الموقف الفرنسي الجديد في موعد الزيارة التي يفترض أن يقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون لفرنسا، نهاية سبتمبر أو بداية أكتوبر، بعد تأجيلات متعددة، وفقا لفرانس برس.

لكن المحلل الجزائري، يؤكّد أن “زيارة تبون التي كانت مقررة أصبحت الآن في حكم الملغية”، كما أن “مجموعة من مشاريع الاستثمارات المرتبطة بصناعة السيارات والقطاع البنكي التي تم إطلاقها خلال زيارة ماكرون الأخيرة ستضرر، وستبقى فرنسا من أضعف المستثمرين المتواجدين في السوق الجزائرية”.

ويوضح المتحدث ذاته أن هذا الأمر “سيعيد العلاقات بين البلدين إلى المربع الأول الذي كانت عليه قبل زيارة ماكرون”.

في هذا الجانب، يقول المحلل المغربي إن الحسابات السياسية بين الجزائر وفرنسا “لم تنضج وربما هو ما جعل زيارة تبون نحو باريس تفشل أكثر من مرة، ومعها أدركت باريس أنها ارتكبت خطأ كبيرا خلال السنوات الأخيرة التي حاولت من خلالها التقارب معها”.

السر وراء التحول المحتمل في موقف باريس

وعلى الجهة المقابلة، تعدّ فرنسا والمغرب، حليفين تقليديين لكن علاقاتهما الدبلوماسية شهدت توترات قوية في السنوات الأخيرة تزامنت مع سعي الرئيس الفرنسي إلى التقارب مع الجزائر، التي تعرف علاقاتها مع المغرب توترات متلاحقة منذ عقود بسبب قضية الصحراء الغربية.

وتفاقمت الخلافات بين البلدين الجارين خلال السنوات القليلة الماضية، مع إعلان الجزائرقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في 2021، معتبرة أن المغرب “لم يتوقف يوما عن القيام بأعمال غير ودية” ضدها، فيما أبدت المملكة تأسّفها على القرار، رافضة المزاعم الجزائرية.

وألقت مساعي التقارب الفرنسي الجزائري خلال السنتين الأخيرتين بظلالها أيضا على علاقات باريس والرباط، التي شهدت محطات توتر أخرى خلال الأعوام الأخيرة، أبرزها قرار فرنسا في سبتمبر 2021 بخفض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف، وقد قوبل بانتقادات حادة في المغرب.

وفي الجانب الفرنسي، أبدت السلطات امتعاضها بعدما كشف تحقيق صحفي استقصائي استهداف المغرب أرقام هواتف ماكرون ووزراء في عام 2019 ببرنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، وهي اتهامات نفتها الرباط.

كما أدت إدانة البرلمان الأوروبي في يناير 2023 ما وصفته بتدهور حرية الصحافة في المغرب إلى زيادة التوترات الدبلوماسية، بعدما اعتبر مسؤولون مغاربة أن فرنسا تقف وراء القرار. 

وفي سبتمبر، نشأ جدل جديد بعدما تجاهلت الرباط عرض فرنسا تقديم المساعدة إثر زلزال مدمر، ضرب أجزاء من المغرب.

بعد ذلك، بدت العلاقات كأنها وصلت إلى طريق مسدود قبل أن يقر السفير الفرنسي في المغرب في نوفمبر الماضي، بأن قرار تقييد حصول المغاربة على تأشيرات فرنسية كان خطأ، وليتم بعد ذلك، تعيين سفيرة مغربية في فرنسا بعد أشهر من الشغور.

بعدما وتّرتها السياسة.. هل يُعيد الاقتصاد الدفء لعلاقات المغرب وفرنسا؟

تشهد العلاقات المغربية الفرنسية مؤشرات على طي صفحة الأزمة الدبلوماسية التي طبعت علاقاتهما في الأعوام الأخيرة، خاصة بعد توالي زيارات مسؤولين فرنسيين إلى الرباط مؤخرا.

وأعادت زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى المغرب، في فبراير الماضي، الدفء إلى العلاقات بين الرباط وباريس،  بعد أن جدد دعم باريس “الواضح والمستمر” لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب لحل النزاع، وهو ما قد يضع علاقات بلاده بالجزائر على المحك.

وتضغط الرباط على باريس لكي تتخذ موقفا مماثلا لذلك الذي أعلنته الولايات المتحدة أواخر العام 2020 حين اعترفت بسيادة المملكة على إقليم الصحراء الغربية، في مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.

بيد أن باريس تعتبر أن موقفها من هذا النزاع “واضح وثابت” ويقوم على إيجاد “حل سياسي عادل ودائم ويحظى بقبول متبادل، تماشيا مع قرارات مجلس الأمن الدولي”.

في الوقت نفسه، تعتبر باريس مقترح الحكم الذاتي المغربي “جادا وذا مصداقية”، منذ إعلانه عام 2007.  إلا أنها امتنعت عن الإقرار الصريح بـ “مغربية” المنطقة، وهو ما يطالب به المغرب. 

في سياق متصل، أبرزت “لوموند” أن الرباط تضع قضية الاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية محور سياستها الخارجية، وعلى هذا الأساس “أصبح من الضروري لفرنسا أن تعيد النظر في موقفها التاريخي لتلبية مطالب الرباط، حتى وإن لم يصل الأمر إلى حد الانحياز الكامل”، خاصة بعد الموقف الأميركي والإسباني من القضية.

بشأن المتغير أو التحول المرتقب والذي  أثار حفيظة الجزائر،  يقول الفاتحي إن المغرب “رفع خلال السنوات الأخيرة سقف الدعم السياسي المطلوب من فرنسا في قضية وحدته الترابية، وذلك عبر الانتقال من مجرد مواقف على مستوى مجلس الأمن إلى الاعتراف الصريح والمباشر بالسيادة المغربية على صحرائه”.

ويوضح المحلل السياسي المغربي، أن الرباط ظلت تعاتب فرنسا بأنه “كان عليها الأولى سياسيا وأخلاقيا واقتصاديا الاعتراف بمغربية الصحراء قبل الولايات المتحدة وباقي الدول الأوروبية، نظرا لحجم وقوة علاقاتهما الاقتصادية والتاريخية والسياسية الوثيقة”، وبالتالي تعرضت لضغوط للذهاب نحو هذا المنحى بعد ذلك.

ويرى الفاتحي أن فرنسا لطالما ظلت الشريك التجاري الأول للمملكة، وفهمت الرسالة التي بعثها الملك محمد السادس في خطاب “ثورة الملك والشعب” قبل سنتين والتي أكد فيها أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وبأنه المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.

وتحدث الفاتحي عن أن “التحول المنتظر” نتاج قطيعة طويلة بين المغرب وفرنسا، استعملت فيها هذه الأخيرة كل الوسائل لإخضاع المغرب سواء في البرلمان الأوروبي أو من خلال الترويج لاتهامات لا أساس لها أو  تقاربها الفاشل مع الجزائر، كما أنه أيضا يأتي بعد “إدراك ماكرون أن الصحراء خط أحمر بالنسبة للمغاربة، علاوة على تقدير النخب السياسية الفرنسية لأهمية العلاقات مع المملكة”.

في سياق متصل، ذكّرت “لوموند” بتصريحات وزير خارجية باريس، خلال زيارته للرباط، والتي قال فيها إن: “فرنسا تدرك أن قضية الصحراء الغربية تمثل مسألة وجودية للمغرب ولجميع المغاربة. لقد سبق وأن أكدنا على ذلك، وأكرره اليوم بقوة أكبر. لقد حان وقت المضي قدماً، وسأتولى هذا الأمر شخصيا”.

وشكل هذا التصريح “منعطفا هاما، إذ كانت المرة الأولى التي يقر فيها مسؤول فرنسي رفيع المستوى بالطابع “الوجودي” لقضية الصحراء الغربية بالنسبة للمغرب. ولا شك أن هذا الموقف أثار قلق الجزائر “، وفقا لـ”لوموند”.

في هذا الجانب، يقول حمزة، إن “الموقف الفرنسي الأخير جاء ليمثّل الرصاصة الأخيرة التي تستطيع فرنسا إطلاقها في محاولة استفزاز الجزائر التي لم تستطع التأثير على مواقفها الثابتة، وذلك لأن مصالحها في الجزائر تراجعت، بعد أن اعتقد ماكرون أنه يمكن أن يُصلح هذا بالأسلوب القديم”.

وعلاقة بأسباب التحول المحتمل في موقف باريس، يعتبر أن “فرنسا اليوم ليست القوة التي كانت تمثلها قبل 30 سنة، ولا حتى قبل 10 سنوات، إذ أن نفوذها يتجه نحو الأفول في منطقة الساحل وفي المغرب الكبير وبالقارة الأفريقية عامة، حيث تعاني أزمات متعددة ومتكررة”.

ويضيف، أن تحولها مدفوع كذلك بـ”اعتقادها بأن ما يحصل لها في منطقة الساحل من تحولات وخسارات نفوذ بعدد من الدول وراءه الجزائر أو يحصل بموافقة منها”، مشيرا إلى أن “لهذا الكثير مما يدعمه لأن أول من نادى بعدم التدخل وطرد الأجانب من المنطقة كانت الجزائر.



اقرأ على الموقع الرسمي


اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading