من أكثر الأعمال التى حرصت على متابعتها بكامل أجزائها؛ رائعة شبكة «نتفليكس – Netflix» مسلسل «بيت البطاقات- House of Cards»، الذى يكشف خبايا السياسة الأمريكية من الكونجرس إلى البيت الأبيض، فاضحاً مدى برجماتية السياسة الأمريكية، ومدى الشر الكامن فى كواليس تلك السياسة وفى نفوس هؤلاء الساسة.
ورغم دراماتيكية الأحداث فى المسلسل والتحولات التى يمكن وصفها بالـ«شكسبيرية» فى مسار بطل العمل «فرانك أندروود» الذى تم التراجع عن تعيينه وزيراً للخارجية فى بداية العمل ليعود لينتقم من الجميع حتى يصل إلى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مستخدماً فى ذلك جل وجميع الوسائل غير المشروعة والعنيفة. ورغم خروج الأحداث فى سياق العمل الدرامى عن النطاق المألوف للتنافس السياسى وقواعد اللعبة السياسية المتعارف عليها، لكن على ما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية على موعد مع انتخابات أكثر سخونة، وأكثر دراماتيكية من مسلسل «بيت البطاقات- House of Cards»، رصاصة ماثيو كروكس، الذى حاول اغتيال الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب خلال تجمع انتخابى له فى بنسلفانيا. الرصاصة التى أخطأت رأس ترامب وستكون بمثابة لحظة مهمة فى التاريخ الأمريكى الحديث. أصابت الحزب الديمقراطى فى مقتل، وأصبح فى مأزق كبير، وبات الرئيس بايدن يمثل عبئاً ثقيلاً على الحزب فى الانتخابات المقبلة، على النحو الذى دفع قادة الحزب الديمقراطى وعلى رأسهم رئيسة مجلس النواب السابقة نانسى بيلوسى، التى كشفت عديد المصادر عن فحوى محادثة هاتفية أخبرت فيها بيلوسى الرئيس بايدن بأنه لا يستطيع هزيمة ترامب كما تشير استطلاعات الرأى، سواء على عموم الناخبين الأمريكيين، أو حتى الناخبين الديمقراطيين، حيث أشارت أحدث الاستطلاعات وفقاً لمركز AP-NORC إلى أن نحو 65% من الديمقراطيين والمستقلين ذوى الميول الديمقراطية يرون أن الرئيس الأمريكى جو بايدن «يجب أن ينسحب ويسمح لحزبه باختيار مرشح مختلف»، فى مقابل 35% فقط يرون أنه يجب أن يستمر فى الترشح للرئاسة. وعلى العكس من ذلك تماماً جعلت رصاصة «كروكس» الجمهوريين وقادتهم أكثر تماسكاً وأكثر التفافاً ودعماً لترامب. حتى مع الوضع فى الاعتبار أن محاولة الاغتيال ما هى إلا انعكاس لحالة استقطاب سياسى حاد اقترنت بعنف سياسى، زرعها ترامب بنفسه، واقترنت بتصاعد الإرهاب المحلى «المؤدلج» تحديداً ما بعد انتخاب الرئيس السابق ترامب 2016، وتزايدت حدة الاستقطاب السياسى ما بين اليسار واليمين المتطرف وتعميم المعتقدات المتطرفة، التى تعيد للأذهان اغتيال الرئيس ويليام ماكنلى عام 1901 وسلسلة من التفجيرات التى استهدفت شخصيات سياسية بارزة ورجال أعمال بين عامى 1914 و1920. كما لعبت حملة العنف التى قام بها المتطرفون اليساريون دوراً أساسياً فى إنشاء مكتب التحقيقات الفيدرالى الحديث ومهمته المبكرة فى مكافحة العنف السياسى. هذا الاستقطاب السياسى بلغت حدته الذروة ما قبل انتخابات 2020 وبعدها؛ حيث تشير التقديرات إلى زيادة كبيرة فى نسبة الحوادث الإرهابية المحلية فى المظاهرات فى المدن الأمريكية فى عامى 2020 و2021. وتجلت فى أسوأ صورها عقب انتخابات 2021 فى اقتحام الآلاف من مؤيدى الرئيس السابق ترامب مبنى الكابيتول خلال جلسة مجلسى النواب والشيوخ المشتركة للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية 2020. هنا أتصور الإعلان عن إصابة الرئيس الأمريكى بفيروس كورونا محاولة بائسة لاكتساب تعاطف جزء بسيط من الناخبين، وفى الوقت ذاته إن لم تتحسن استطلاعات الرئيس فإعلان المرض يصبح تمهيداً للانسحاب من السباق الرئاسى، وتوفير شكل لائق لخروج الرجل العجوز. والبيت الأبيض لم يعد «بيت البطاقات» وألعاب السياسة، أصبح «بيتاً من ورق» قابلاً للاشتعال والاحتراق.
وسواء استمر الرئيس أو انسحب؛ فالانتخابات الأمريكية على هذا النحو تعكس تراجعاً كبيراً فى الديمقراطية الأمريكية التى يمكن الوصف بأنها أصبحت ديمقراطية درامية تعانى الشيخوخة والوهن، وفقدت القدرة على تقديم مرشحين للانتخابات الرئاسية أكثر شباباً من كل من الجد بايدن والجد ترامب، هى ديمقراطية تحتضر، وعلى العالم أن يستعد لتداعيات ذلك الاحتضار.
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.