صيدا– تصعد الحاجة سوزان الطاهرة درج بلدية صيدا جنوب لبنان ببطء، وهي تحمل في قلبها ثقل الذكريات المتراكمة على مر السنين.. كل درجة تخطوها كانت بمثابة استرجاع لشريط حياتها.
تسلّمت الحاجة سوزان سند ملكية منزل عائلتها، الذي يمتد عمره لأكثر من 60 عاما، ولم تكن هذه الورقة مجرد وثيقة قانونية، بل كانت تحقيقا لحلم والدتها الذي انتظرته طويلا ورحلت قبل أن يتحقق، فمزج بين الفرح وألم الفراق.
“هذا السند يجب أن يكون بيد والدتي وليس بيدي”، تقول الحاجة سوزان للجزيرة نت، وعيناها تلمعان بمزيج من الانتصار والأسى، فهي في هذه اللحظة تشعر بوجود والدتها بجوارها، تشاركها فرحة تحقيق الحلم الذي طالما راودها.
وقصة الحاجة سوزان واحدة من قصص العائلات الصيداوية التي تهدمت منازلها في منطقة رجال الأربعين بصيدا القديمة، وفي كل من الدكرمان والمية ومية بمنطقة عين الحلوة، جراء الزلزال الشهير الذي ضربها في العام 1956، حيث أنشأت الدولة وزارة التعمير وبنت منازل بديلة.
وبابتسامة تملأ وجهه وعينيه، قال عبدو غريب للجزيرة نت بعد استلامه سند ملكية منزله “غيمة طالت واليوم راحت”.
بداية الحكاية
ويوضح مدير المؤسسة العامة للإسكان روني لحود، للجزيرة نت، أنه في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، تم توقيع عقود بيع للمواطنين الذين تضرروا من الزلزال، حيث تمت إعادة بناء منازلهم، لكنهم لم يمتلكوا الوحدات السكنية حتى عام 2003 حين صدر القانون رقم 2004/583 من مجلس النواب، الذي منح المواطنين الذين يسكنون في هذه البيوت الحق بالتملك.
وبسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان عام 1975 وما رافقها من فوضى، لم تحصل العائلات على سندات التمليك القانونية، واستمرت على هذا الحال لعقود طويلة.
ويضيف لحود أن عملية التمليك في منطقة صيدا ورجال الأربعين تعثرت بسبب الحاجة إلى إعادة فرز وترتيب إصدار السندات، نظرا لأن عمليات البناء كانت عشوائية وزادت عليه العديد من الوحدات السكنية الجديدة.
وفي العام 2017، أقر مجلس النواب اقتراح القانون المعجل المكرر، الذي تقدمت به النائبة بهية الحريري، بهدف تعديل المادة 61 من القانون رقم 2004/583، لتمكين فرز تلك العقارات وتسهيل تملكها بعد تسوية أوضاعها.
ومنذ العام 2019، تواصلت المساعي لحل هذه المشكلة، حيث عملت مؤسسة الحريري، بالتعاون مع الجهات المعنية، على حل الأزمة عبر تنظيم سلسلة من الاجتماعات لمتابعة الجوانب الإدارية والتقنية والهندسية لهذا الملف.
وعلى أثر ذلك، قامت المؤسسة العامة للإسكان، بالتعاون مع الدوائر العقارية ودوائر المساحة، بجهود لإصدار السندات بأسماء المؤسسة العامة للإسكان، ومنذ ذلك الحين، بدؤوا في دعوة المواطنين لتقديم طلباتهم لاستلام السندات ونقل الملكية من المؤسسة إلى المواطنين.
وفي العام 2024، وبعد 5 سنوات من الجهود المشتركة والدراسات والزيارات الميدانية إلى مساكن التعمير لتقييم الوضع، حصل سكان تعمير عين الحلوة على سندات ملكية منازلهم.
كفاح وإصرار
وفي مشهد يعكس قصة كفاح وإصرار، تسلم شفيق الغربي، الرجل البالغ من العمر 43 عاما، سند ملكية بيت جده بعد رحلة طويلة من السعي، كان قد اشتراه من جده قبل وفاته وما زال يقطن فيه مع عائلته. يقول للجزيرة نت “اليوم أشعر أن جدي ارتاح في قبره”.
وعلى الرغم من عدم وجود وثائق رسمية تثبت عملية البيع والشراء، لم يفقد شفيق الأمل، بل استمر في السعي وراء حقه، يطرق أبواب مؤسسة الإسكان مرارا وتكرارا، يتنقل بين الأمل والإحباط، حتى جاءته اللحظة المنشودة أخيرا، حيث أبلغ بجاهزية السند للاستلام.
وقد احتفلت مدينة صيدا ومنطقتها، يوم الخميس، بتسليم الدفعة الأولى من السندات، وذلك في مبنى البلدية، بعد إنجاز 179 سندا لـ99 وحدة سكنية، تخدم 149 فردا و4 مؤسسات، من أصل نحو 1265 أسرة و1373 وحدة سكنية.
تثبيت الحقوق
وفي كلمة لها، أشارت رئيسة مؤسسة الحريري والنائبة السابقة بهية الحريري إلى التحديات التي واجهتهم، والتي استدعت تشريع قوانين وإصدار مراسيم، بالإضافة إلى مراجعة وتجديد المخططات، بهدف تأمين حقوق المواطنين في ملكياتهم العقارية، رغم تعقيدات الظروف السياسية والإهمال.
وأشادت الحريري بتحقيق نسبة 3% فقط من هذه العملية، معتبرة أن هذا الإنجاز البسيط يشكّل حجر الزاوية لتثبيت حقوق كل المالكين، داعية جميع أصحاب الحقوق للمبادرة في تحضير طلباتهم لاستكمال إصدار سندات التمليك الخاصة بهم.
من جهته، يقول مدير البحث والتطوير في مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة المهندس محمد الحريري للجزيرة نت “هذا المشروع بدأنا فيه منذ عام 2019 في منتدى الموازنة والمالية العامة، حيث أعلنا عن إصدار السندات وجاهزيتها لتكون متاحة لكل فرد”.
ويتابع “خلال هذه الخمس سنوات، قمنا بتنظيم ملفات الأفراد الذين قدموا طلباتهم للحصول على السندات، كما قدمت مؤسسة الحريري، برئاسة السيدة بهية الحريري، الدعم المالي اللازم لجميع الإجراءات القانونية المتعلقة بنقل السندات”.
ويصف مدير جمعية عمل تنموي بلا حدود (نبع) قاسم سعد إصدار سندات التمليك بالإنجاز الكبير. ويقول للجزيرة نت “هنا يأتي دورنا كمؤسسات في إعادة ترميم العديد من المنازل، إضافة إلى مساعدة الفقراء المقيمين في المنطقة التي تعاني من مشكلات اجتماعية متعددة”.
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.