نساء فى حياة دستويفسكى.. هل كان أول حب لامرأة مريضة بالسل؟
أدب وثقافة

نساء فى حياة دستويفسكى.. هل كان أول حب لامرأة مريضة بالسل؟

اشراق العالم 24 متابعات ثقافية:


دستويفسكى أحد أشهر الكتاب العالميين فرواياته (الجريمة والعقاب، الأبله، الأخوة كرامازوف) وغيرها لا تزال حتى الآن من عيون الإبداع، كما كانت حياته التي انتهت في 1881 حافلة بالأزمات والحكايات، لكن ماذا عن الحب؟


يقول كتاب نساء في حياة دستويفسكي لـ ليونيد جروسمان عن الحب الأول في حياة أشهر كتاب روسيا: هناك أمر على جانب كبير من الأهمية، وهو أن دستويفسكي أحبَّ وللمرة الأولى امرأةً مريضة، منهكة القوى، انهالت عليها الحياة بالضربة تلو الأخرى، امرأة فقيرة معدِمة، كُتب عليها الجنون والموت.


وللأسف فإن كل المراحل المضنية التي مرَّ بها هذا الحب الأول لدستويفسكي لا يمكن تقديمها بصورة كاملة، يبدو أن الخطابات المسهبة التي كتبها دستويفسكي من سيميبالاتينسك إلى كوزنيتسك قد ضاعت إلى الأبد، يذكر فرانجيل أن هذه الخطابات كانت تملأ كراسات كاملة.


إن الظروف القاسية التى عاشتها ماريا ديمترييفنا، وما عانته من أحداث درامية وفَقْد، لم تكن لتسمح لها أن تتعامل بقدرٍ كافٍ من الاهتمام بهذه الخطابات والمذكرات، التي ضاعت بداهةً في ركن سحيق في سيبيريا.

إن الجانب الهام والعميق من القصة المأساوية لحب دستويفسكي الأول، التي كتبها في اعترافاته المطوَّلة، لم تصل إلينا، وسوف يكون علينا أن نُقيِّم فصولها الضائعة استنادًا إلى المعلومات غير المباشرة.


على أى حال، فإن صورة ماريا ديمترييفنا، والعديد من مشاهد هذه العلاقة العاطفية، قد انعكست بشكل واضح وجاد في إبداع دستويفسكي، نجدها في رواية “مُذلُّون ومُهانون” في الحب المتفاني لبطل الرواية المستعد للتضحية بمشاعره من أجل سعادة شخصَين آخرَين. إن هذه المشاهد تنقُل إلينا بوضوح جانبًا من غرام دستويفسكي في سيبيريا.


وفي “الجريمة والعقاب” يُقدِّم نموذجُ كاترينا إيفانوفنا صورةً طبق الأصل من ماريا ديمترييفنا، لينبعث معها مصيرها كله. إن مشهد وفاة زوجة مارميلادوف قد كُتب تحت انطباع الحزن على الزوجة الأولى لدستويفسكي، بل إننا نجد أيضًا بعض العبارات التي تُذكِّرنا بوصف هذا الحادث الحزين كما وردت في خطابات دستويفسكي.


مارينا ديمترييفنا إيسايفا؛ الزوجة الأولى لدستويفسكي.


إن المظهر الخارجي لماريا ديمترييفنا في لحظة تعرُّفها على دستويفسكي؛ أي قبل عشر سنوات من موتها، يتميَّز بقدرٍ كبيرٍ من الجاذبية. آنذاك كانت تبلغ من العمر ستةً أو سبعةً وعشرين عامًا، إذا كان سنها قد أُشير إليه بشكل صحيح في خطاب دستويفسكي إلى شقيقته في عام 1857م: “أبلغ من العمر خمسةً وثلاثين عامًا، بينما تبلغ هي تسعةً وعشرين”.


ويصفها فرانجيل بأنها: “حسناء ذهبية الشعر، متوسطة القامة، نحيفة للغاية، شديدة الحساسية، مندفعة. آنذاك كانت هذه الحُمرة المشئومة تداعب وجهها الشاحب، ليذهب بها مرض السُّل بعد بضع سنوات إلى القبر. كانت امرأةً واسعة الاطلاع، تلقَّت تعليمًا جيدًا، وكانت محبةً للمعرفة، طيبةً محبة للحياة بشكل استثنائي، كما كانت سريعة التأثر والانفعال”.


وقد التقاها الناقد ن. ستراخوف على نحوٍ عابر في بطرسبورج، وتركت لديه انطباعًا طيبًا بشحوبها ورِقة ملامحها، على الرغم من أنه كان من الواضح إصابتها بمرض مميت.

هذه الطبيعة الحساسة المندفعة هي ذاتها التي أسرت دستويفسكي على الفور.


ها هو دستويفسكي يصف بنفسه قصة علاقتهما في خطابه إلى شقيقته في عام 1857م: “بعد أن عدت في عام 1854 من أومسك إلى سيميبالاتينسك، تعرَّفت على مُوظَّف يُقيم هنا هو وزوجته. الرجل من روسيا، يتمتَّع بالذكاء والطيبة، مثقف، وقد أحببته كأخٍ … كان عاطلًا، ولكنه كان ينتظر أن يُلحقوه مرةً أخرى بالخدمة. كان لديه زوجة وابن. أمَّا زوجته فهي ماريا ديمترييفنا إيسايفا. ما تزال في ريعان الصبا، وقد استقبلاني كأني واحد من أقاربهم. وفي النهاية، وبعد عناء طويل، حصل على عمل في مدينة كوزنيتسك من أعمال محافظة تومسكايا، وهي تبعد عن سيميبالاتينسك سبعمائة فرسخ. ودَّعتهم، وكان الفراق أكثر وطأةً على نفسي من فقدان الحياة نفسها”.


حاشية: حدث ذلك في مايو عام 1855م. ولست أُبالغ هنا. بعد وصوله إلى كوزنيتسك، مرض إيسايف فجأة، ثم وافته المنية تاركًا زوجةً وابنًا دون قرش واحد، وحيدة في بلدة غريبة، دون مساعدة، وفي حالة مزرية. ما إن عَرفتُ بذلك (وكنا نتراسل)، حتى اهتممت بالأمر وأرسلت لها نقودًا في أقرب فرصة. كم كنت سعيدًا عندما علمت بتسلُّمها النقود! وأخيرًا استطاعت أن تكتب لأهلها ولأبيها. كان أبوها يعيش في أستراخان ويحتل وظيفةً هامة (مدير الحجر الصحي). كان صاحب رتبة رفيعة ويتقاضى راتبًا كبيرًا، لكن الرجل كانت لديه ثلاث فتيات وأبناء يخدمون في الحرس. كانت كنيته كونستان. وهو حفيد لمهاجر فرنسي شارك في الثورة الأولى، نبيل، جاء إلى روسيا واستقرَّ فيها، أمَّا أبناؤه فهم روس من جهة الأم. ماريا ديمترييفنا هي الابنة الكبرى، وكان والدها يُفضِّلها على الجميع.


صديقتي العزيزة، أكتب إليك تفصيلًا، لكنني لم أكتب إليك الأهم. إنني أهيم بهذه المرأة منذ زمن بعيد إلى درجة الجنون، أُحبها أكثر من حياتي. لو أنك عرفت هذا الملاك، لَمَا أخذتك الدهشة. إنها تمتلك خِصالًا رائعة؛ ذكية، رقيقة، مثقفة، مثال نادر من النساء المثقفات مع شيء من الوداعة، تُدرك ما عليها من واجبات، مُتدينة. لقد رأيتها في لحظات الشقاء عندما كان زوجها عاطلًا عن العمل. لا أريد أن أصف لك ما كانا عليه من ضَنك. ليتك رأيت على أي نحو من نكران الذات وقوة التحمل واجهت به هذه المرأة هذه التعاسة التي يمكن أن نصفها تمامًا بالبؤس. إن مصيرها الآن بشع؛ إنها تعيش في كوزنيتسك، حيث تُوفي زوجها. يعلم الله من يحيط بها وهي الأرملة اليتيمة بكل معنى الكلمة. بالطبع كان حبي لها سرًّا لم أُصرِّح به.



اقرأ على الموقع الرسمي


اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading