قبل أسبوع واحد بدا اليمين المتطرف أقرب ما يكون إلى السلطة، بعدما حقق أكبر نسبة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المبكرة، لكن الحال انقلب رأسا على عقب كما يبدو من النتائج الأولية لجولة الإعادة.
الجولة الأولى التي جرت في الثلاثين من يونيو/حزيران شهدت تحقق ما ظل الفرنسيون بل والأوروبيون يخافونه على مدار عقود، حيث قفز اليمين المتطرف إلى موقع الصدارة بعدما حصد حزب “التجمع الوطني” الذي يمثل أقصى اليمين نحو 33% من الأصوات، مقابل نحو 28% لتحالف اليسار الذي يعرف بالجبهة الشعبية الوطنية ويضم الاشتراكيين واليسار المتطرف والخضر.
أما معسكر يمين الوسط “معا من أجل الجمهورية” الذي يقوده الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون فقد تقهقر إلى المركز الثالث بعدما اكتفى بـ20% من أصوات الناخبين.
لكن الأيام التالية لهذه النتائج شهدت حالة من الهلع في فرنسا إزاء ما اعتبره الكثيرون خطرا محدقا حاول وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، وهو ما عبرت عنه وكالة الصحافة الفرنسية بالقول إن الفرنسيين باتوا أمام رهان كبير.
جبهة جمهورية
القوى السياسية كانت أكثر شعورا بالخطر على ما يبدو ولذلك كانت أسرع إلى الاستجابة، حيث تغلبت أحزاب الوسط واليسار وغيرها على انقساماتها وأبرمت عدة اتفاقات سريعة لتحول دون استمرار تفوق اليمين المتطرف، وتمثل أبرز مظاهر هذه الاتفاقات في انسحاب أكثر من 200 مرشح من معسكري اليسار والرئيس ماكرون من الدوائر التي كانت ستشهد منافسة بين ثلاثة مرشحين لتعزيز حظوظ زملائهم في التغلب على مرشحي التجمع الوطني.
الهدف من الانسحابات كان تشكيل ما أطلق عليه “جبهة جمهورية” لمواجهة اليمين المتطرف والحيلولة دون تمكن رئيسه جوردان بارديلا (28 عاما) من أن يصبح أول رئيس من أقصى اليمين يتولى رئاسة الحكومة الفرنسية منذ الحرب العالمية الثانية.
الجدير بالذكر أن الانتخابات الفرنسية المبكرة جاءت نتيجة قرار الرئيس ماكرون بحل الجمعية الوطنية عقب الخسارة الكبيرة التي لحقت بمعسكره في انتخابات البرلمان الأوروبي مقابل تقدم لليمين المتطرف.
وبعد تقدم أقصى اليمين في الجولة الأولى من الانتخابات دعا بارديلا الفرنسيين إلى منح حزب الأغلبية المطلقة واصفا الجولة الثانية بأنها ستكون واحدة من الأكثر حسما في مجمل تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة”، التي تأسست عام 1958.
أما زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، فقد بدت منتشية بعد أن حسمت مقعدها البرلماني من الجولة الأولى، و دعت الفرنسيين للتصويت لحزبها مجددا قائلة: “نحن بحاجة إلى غالبية مطلقة”.
أتت أكلها
لكن يبدو أن تحركات الأحزاب الفرنسية ومعها مخاوف كثير من الفرنسيين أتت أكلها، حيث كانت الأيام السبعة كافية لحدوث الانقلاب الكبير والانتقال بفرنسا من اليمين إلى اليسار.
فالنتائج الأولية لجولة الإعادة والتي تقول وكالة رويترز إنها عادة ما تكون موثوقة، أشارت إلى تقدم ائتلاف اليسار إلى المركز الأول وتقدم معسكر يمين الوسط إلى المركز الثاني في مقابل تراجع كبير لليمين المتطرف من المركز الأول في الجولة الأولى إلى المركز الثالث في الجولة الثانية.
ووفقا لتوقعات الإعلام الفرنسي بعد إغلاق مراكز الاقتراع مساء الأحد، فإن تحالف اليسار سيحصل على ما يتراوح بين 172 و215 مقعدا في الجمعية الوطنية التي يبلغ عدد مقاعدها 577.
هذا التحالف الذي تكون حديثا يضم حزب فرنسا الأبية برئاسة جان لوك ميلانشون والذي يوصف بأنه يساري متشدد إضافة إلى الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وأنصار البيئة فضلا مجموعات أصغر ذات ميول يسارية.
وجاء تحالف الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي في المرتبة الثانية، حيث يتوقع أن يفوز بما يتراوح بين 150 و180 مقعدا، انخفاضا من 245 مقعدا.
وتراجع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الذي جاء في المقدمة بعد الجولة الأولى، إلى المركز الثالث، ومن المتوقع أن يحصل على ما يتراوح بين 120 و152 مقعدا.
وإذا تمت ترجمت هذه التوقعات على أرض الواقع في النتائج النهائية، فمن غير المرجح أن يحقق أي معسكر أغلبية مطلقة من 289 مقعدا، وهو ما سيكون مشكلة من نوع آخر لكنها ربما تكون أهون من كابوس حصول اليمين المتطرف على الأغلبية المطلقة.
تحالف العار
هذه التوقعات أثارت غضبا عارما في صفوف أقصى اليمين، واستخدم جوردان بارديلا عبارات حادة ضد التحالف الذي نفذته الأحزاب لقطع الطريق على أقصى اليمين، ووصف ما حدث بأنه “تحالف العار” الذي حرم الفرنسيين من “سياسة إنعاش” على حد قوله.
وأكد بارديلا أن التجمع الوطني ما زال “يُجسّد أكثر من أي وقت مضى البديل الوحيد”، متعهدًا أن حزبه لن ينزلق نحو ما وصفها بتسويات سياسية ضيقة “ومؤكدًا أن “لا شيء يمكن أن يوقف شعبًا عاد له الأمل”.
وفي مقابل حالة من الصمت والحزب في معسكر أقصى اليمين، فقد انفجرت صيحات الفرح في تجمعات أنصار تحالف اليسار، وتحدث زعيم حزب فرنسا الأبية مؤكدا أن على الرئيس ماكرون أن يعترف بالهزيمة في الانتخابات.
أما رد ماكرون فجاء عبر ما وصفته وكالات الأنباء بأوساط مقربة منه قالت إنه يدعو إلى توخي الحذر في تحليل نتائج الانتخابات معتبرًا أن كتلة الوسط لا تزال “حيّة” جدًا بعد سنواته السبع في السلطة.
وبعد قليل من هذا التسريب قالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون يعكف حاليا على تحليل نتائج الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية وسينتظر وضوح الصورة كاملة قبل اتخاذ القرارات اللازمة.
وأضافت الرئاسة في بيان “سيحترم الرئيس، باعتباره الضامن لمؤسساتنا، خيار الشعب الفرنسي”.
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.