سُراقة وسِوارا كسرى وأم معبد وشاتُها.. كيف رسم الشعراء تفاصيلها المهيبة؟ | ثقافة
الجزيرة نت

سُراقة وسِوارا كسرى وأم معبد وشاتُها.. كيف رسم الشعراء تفاصيلها المهيبة؟ | ثقافة


في تفاصيل الحياة اليومية تتجلى ألطاف الله الخفيّة فندرك بعضها ونعجز عن إدراك كثير منها، يعتاد الإنسان بطبعه معيّة الله فيغفل عن نعمه وألطافه الكثيرة، ولنا في حكايات الهجرة النبوية ما يعيننا على تلمس خفايا الرحمة الربانية والعناية الإلهية.

لحاق سراقة بن مالك برسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة ووعده إياه بسوارَي كسرى

تطالعنا في مسار هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الاختباء في غار ثور معجزات وكرامات خاصة برسول الله عليه الصلاة والسلام، ففي الطريق إلى المدينة وقعت حادثة قائف الأثر سراقة بن مالك المُدلجي الذي خرج لتتبع أثر رسول الله والظَّفَر بالجائزة التي رصدتها قريش لمن يعثر على رسول الله ويسلمه، فحين وصل سراقة إلى رسول الله ساختْ قدما فرسه في الرمال، فاستنجد برسول الله لينجيه بدعائه على أن يخفي عن قريش معرفته بمكان الرسول عليه صلوات ربي وسلامه، فدعا له فنجا واستخلص قوائم فرسه بعد أن انغرست في الرمال، ويذكر أن حوارًا جرى بين سُراقة ورسول الله؛ إذ قال له رسول الله: كيف بك إِذا لبست سِوَارَيْ كسرى ومِنْطَقَتَه وتاجه؟ فأجاب سراقة متعجبا: كسرى بن هرمز؟ فقال رسول الله ﷺ:  نعم. فمضى سراقة بوعد رسول الله. وتحقق الوعد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحين فتحت المدائن بقيادة سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر رضي الله عنه ووصلت الغنائم إلى المدينة المنورة، ألبس عمر سراقة سواري كسرى وتاجه محقّقًا بذلك الوعدَ النبوي.

وقد نقل لنا الشعراء هذه التفاصيل بدقائقها محملة بالمشاعر التي صاحبتْها والعواطف التي حملتها أفئدتهم حين نظموا فأبدعوا في تصويرها أيما إبداع، فلننظر إلى ما قاله الشاعر محمود سامي البارودي واصفًا هذه الحادثة:

فَبَيْنَما هُوَ يَطوي البِيدَ أَدرَكَهُ

رَكضًا سُراقَةُ مِثلَ القَشعَمِ الضَّرِمِ

حَتّى إِذا ما دَنا ساخَ الجَوادُ بِهِ

في بُرقَةٍ فَهَوى لِلسَّاقِ وَالقَدَمِ

فَصاحَ مُبتَهِلاً يَرجُو الأَمانَ وَلَو

مَضى عَلى عَزمِهِ لانهارَ في رَجَمِ

وَكَيفَ يَبلُغُ أَمرًا دُونَهُ وَزَرٌ

مِنَ العِنايةِ لَم يَبلُغهُ ذُو نَسَمِ

فَكَفَّ عَنهُ رَسولُ اللَّهِ وَهوَ بِهِ

أَدرى وَكَم نِقَمٍ تفتَرُّ عَن نِعَمِ

ويستحضر الشاعر المصريّ طلعت المغربي الواقعة نفسها في إحدى قصائده، ويصورها ويصف أدق التفاصيل محملًا إياها شحناتٍ عاطفية عالية، وكأنه كان حاضرًا إذ جرت أحداثها؛ فيقول:

وأرَى سُرَاقَةَ رَاحَ يَتْبَعُ خَطْوَكُمْ

ضَلَّتْ خُطَاهُ وتَاهَ في البَيْدَاءِ

وجَوَادُهُ رَفَضَ الرُّضُوخَ لأَمْرِهِ

سَاخَتْ قَوَائِمُهُ بِذِي الصَّحْرَاءِ

ثم ينتقل الشاعر إلى درجة أعلى من وصف المشهد ويشخص فرس سراقة ويجعلنا نستمع إلى حوار تخيّل جريانه بين سراقة وفرسه، إذ يقول:

لِمَ يَا جَوَادُ اليَوْمَ أنْتَ خَذَلْتَنِي؟

مَا كُنْتَ يَوْمًا تَرْتَضِى إيذَائِي

فَخُطَاكَ تُسْرِعُ إِنْ بَعُدْنا عَنْهُمُ

وإذَا قَصَدْنَاهُمْ فَفِي إِبْطَاءِ

ثم يقول على لسان سراقة نفسه معللًا تباطؤ فرسه عن اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم:

وَكَأَنَّهُ قَدْ قَالَ ذَا رَكْبُ الهُدَى

منْ ذا يُطَاوِلُ رَكْبَهُ بِغَبَاءِ؟

حَقَّاً فَرَكْبُ المُصْطَفَى لا يُقْتَفَى

بِالسُّوءِ ذَاكَ تَصَرُّفُ البُلَـهَاءِ

فَعِنَايَةُ الرَّحمَنِ تَحْرُسُ رَكْبَهُ

وعِنَايَةُ الرَّحمَنِ خَيْرُ وِقَاءِ

ويأخذنا الشاعر بعد ذلك في قصيدته نفسها إلى عالم آخر، يفصل فيه ما دار من حوار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراقة المدلجي، ويذكر وعد رسول الله لسراقة أن يلبسه سواري كسرى عوضًا عما وعدته به قريش من جائزة إن استطاع أن يقتفي أثر رسول الله وصاحبه ويدلهم عليه؛ فيقول:

وهُنَا يقولُ سُرَاقَةُ اذهَبْ سَيِّدِي

لا … لَنْ أُناصِبَكُمْ بِأَيِّ عَدَاءِ

هَاتِ الأَمَانَ أَيَا مُحَمَّدُ هَاتِهِ

فَعَطَاؤُكُمْ واللهِ خَيْرُ عَطَاءِ

أَنَا لَنْ أَدُلَّهَمُ عليكُمْ سَيِّدِي

أبَدًا ومَهْمَا حَاوَلوا إِغْرَائِي

ارْجِعْ سُرَاقَةُ لا غُبَارَ عليكُمُ

واسْمَعْ لِمَا سَأَقُولُ مِنْ أَنْبَاءِ

يَوْمًا سَتَلْبَسُ فِي يَدَيْكَ أَسَاوِرًا

هِيَ مِلْكُ كِسْرَى صَاحِبِ الخُيَلاءِ

ارْجِعْ سُرَاقَةُ وانْتَظِرْ مَا قُلْتُهُ

فَهْوَ القَرِيْبُ ولَيْـسَ ذَا بِالنَّائِي

يذهب الشاعر طلعت المغربي في أبيات القصيدة التالية لأحداث المسير بعد الغار إلى تأكيد أهمية ما جمعته لنا الهجرة النبوية من دروس طيبة نستأنس بها في هذه الحياة وأيامها، ونتقوى بها على مصاعب الدنيا وتعقيداتها، إذ يقول:

هِيَ رِحْلَةٌ هَاجَرْتَ فِيهَا سَيِّدِي

أَحْدَاثُها جَلَّتْ عَنِ الإِحْصَاءِ

عَطَّرْتَ طَيْبَةَ سَيِّدِي بِمَجِيْئِكُمْ

ومَلأتَ كُلَّ الكَوْنِ بالأَضْوَاءِ

وبَنَيْتَ مُجْتَمَعًا يَفِيضُ مَحَبَّةً

ومَوَدَّةً يَخْلو مِنَ البَغْضَاءِ

هَجَرُوا حُظُوظ النَّفْـسِ حِينَ أمَرْتَهُمْ

وسَمَوْا بِأَخْلاقٍ عَلى الجَوْزَاءِ

وطَرَقْتُ بَابَ اللهِ في غَسَقِ الدُّجَى

ودُموعُ عيني قَدْ سَبَقْنَ نِدَائِي

ثم يختم حكاية الهجرة في قصيدته راجيًا شفاعة رسول الله، داعيًا آملًا أن يعفو الله عنه ويغفر له، جاعلًا من الهجرة أفقًا أرحب ومجالًا أوسع؛ فترك المعاصي والترفع عن الدنايا هجرة تعلو بها النفوس وتسمو وترقى:

أرجوكَ تَغْفِرُ لِي ذُنُوبِي كُلَّهَا

ولْتَمْحُ يَا رَبَّ الورَى أَخْطَائِي

تَعْفُو وتَصْفَحُ لَيْسَ يَنْفَدُ فَضْلُكُمْ

أنتَ الكريمُ البَرُّ ذُو الآلاءِ

أنَا إِنْ عَصَيْتُ فهذِهِ بَشَرِيَّتِي

ولئِنْ عَفَوْتَ فَأَكرَمُ الكُرَمَاءِ

أنَا بالحبيبِ مُحَمَّدٍ مُسْتَشْفِعٌ

مفتَاحُِ بَابِ السِّـرِ في العَلْيَاءِ

يَا رَبِّ وامْنَحْنَا بِفَضْلِكَ هِجْرَةً

تَعْلو النُّفُوسُ بهَا عَلى الأَهْوَاءِ

ويكُونُ فِيْهَا هَجْرُ كُلِّ رَذِيلَةٍ

كَالْحِقْدِ والبَغْضَاءِ والشَّحْناءِ

كلما قرأنا الواقعة نفسها في قصيدة مختلفة نعيشها مجدّدا كما مرت بقلب الشاعر مفعمة بمشاعر متزاحمة من الرهبة والجلال، ففي إحدى قصائد الشاعر يوسف النبهاني نجد سردا للسيرة النبوية بأحداثها كلها، وعن واقعة سراقة قائف الأثر يحدثنا فيقول:

وَاقتَفاها سُراقةٌ لاِستراقِ النـ

ـنورِ مِنها كأنّه الحرباءُ

وَعَد النفسَ بالثراءِ ولكن

رُبَّ فقرٍ أَشرُّ منه الثراءُ

صَيَّرَ الخسفُ تحتهُ الأرضَ بحرًا

غَرِقتْ فيه سابحٌ جرداءُ

فَفَدى نفسَهُ ببذلِ خضوعٍ

حينَ مِنها لم يبقَ إلا الذَّماءُ

وَحباهُ وَعدًا بإِسوارِ كسرى

فَأتاهُ مِن بعدِ حينٍ وفاءُ

في خيمة أم معبد … كيف تناول الشعراء خيمة أم معبد وقصة الشاة العجفاء؟

حملت رحلة الهجرة النبوية في طياتها خوارق ومعجزات خالدة، منها قصة خيمة أم معبد التي مرّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه نحو المدينة، إذ كانت هذه المرأة التي خلد التاريخ كنيتها (أم مَعبد) تقيم في خيمة على الطريق بين مكة والمدينة في وادي قُدَيد، وهي عاتكة بنت كعب الخُزاعية.

وكان رسول الله مع صاحبه أبي بكر ومولاه عامر بن فهيرة ودليلهما ابن أريقط في الطريق فنفد منهم الزاد، وإذا هُم بامرأة كبيرة في السنّ تجلس أمام خيمتها، فتوقفوا عندها ليتزودوا بالماء والكلأ، وكان عام قحط على خزاعة كلها، فلم يجدوا عندها شيئا يبتاعونه ويقتاتون به، غير أن رسول الله رأى في جانب الخيمة شاة هزيلة طاعنة في السن فسأل أم معبد عنها إن كانوا يستطيعون أن يتزودوا بلبنها، فأجابت أم معبد بأن الشاة عجفاء، فاستأذنها رسول الله بالاقتراب من الشاة ومسح على ضرعها ودعا فدرّت لهم لبنًا تعجب الحاضرون من وفرته وصفائه، فارتووا منه جميعا وملؤوا إناء تلو إناء.

ويذكر أن أم معبد حين عاد زوجها وتعجب من رؤية اللبن حدثته بالخبر ووصفت له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها الشهير:  “رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهَرَ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخَلْقِ، لَم تَعِبْهُ ثُجلَةٌ، وَلَم تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ، فِي عَيْنِهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ. إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ. حُلْوُ الْمِنْطِقِ، فصْلٌ، لا نَزْرٌ ولا هذَرٌ. كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يتحدَّرن… لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُفْنِدٌ”. فقال أبو معبد: “هُوَ وَاللهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ بِمَكَّةَ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا”.

فهل يمكن لحكاية ومعجزة مثل هذه أن تفلت من قرائح الشعراء؟ بالطبع لا، فقد تناولوها وفصلوا فيها وأداروا الحوار ووصفوا المكان وحددوا الزمان وتركوا للقارئ من بعدهم أفق الخيال مفتوحًا على حكاية تجلت فيها آيات النبوة ففاضت بالبركات. وها هو محمود سامي البارودي يصور لنا هذه الحكاية قائلًا:

فَحِينَ وَافى قُدَيدًا حَلَّ مَوكِبُهُ

بِأُمِّ مَعبَدَ ذاتِ الشَّاءِ وَالغَنَمِ

فَلَم تَجِد لِقِراهُ غَيرَ ضائِنَةٍ

قَدِ اقشَعَرَّت مَراعِيها فَلَم تَسُمِ

فَما أَمَرَّ عَلَيها داعِيًا يَدَهُ

حَتّى اِستَهَلَّت بِذِي شَخبينِ كَالدِّيَمِ

ثُمَّ اِستَقَلَّ وَأَبقى في الزَّمانِ لَها

ذِكرًا يَسيرُ عَلَى الآفاق كَالنَّسَمِ

وكذلك الفقيه القاضي الشاعر المطبوع يوسف النبهاني يذكر قصة أم معبد في شعره، منتقلًا منها إلى حديث الوصول إلى المدينة المنورة؛ إذ يقول:

وَأَتتهُ مِن أمّ مَعبدَ إذ أعْـ

ـوَزَها القوتُ حائلٌ عجفاءُ

حلبَ الضرعَ أشبعَ الركبَ منها

بإِناءٍ وزادَ عنهم إناءُ

وَلهُ اِشتاقَت المدينةُ فالأنْـ

صارُ فيها مِن شَوقِهمْ أَنْضاءُ

الوصول إلى المدينة المنورة واستقبال الأنصار رسولَ الله صلى الله عليه وسلم

كان وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة إيذانًا بميلاد دولة الإسلام، كان عيدًا للمسلمين المهاجرين منهم والأنصار، فقد تأسى المهاجرون برسول الله وسكنت نفوس المسلمين عامة بقدومه، وشرع تاريخ جديد في عمر الإسلام بعد 13 عامًا من بداية الدعوة في مكة المكرمة. كان مجيء رسول الله وقدومه إلى المدينة عيدًا حقيقيًّا للمسلمين، وظفرًا خاصًّا للأنصار الذين حملوا جهد الأمانة في الاستقبال والمؤاخاة، وقد عبر البارودي عن ذلك بقوله:

وَلَم يَزَلْ سائِرًا حَتّى أَنافَ عَلى

أَعلامِ طَيبَةَ ذاتِ المَنظَرِ العَمَمِ

أَعظِمْ بِمَقدَمِهِ فَخرًا وَمَنقبَةً

لِمَعشَرِ الأَوسِ وَالأَحياءِ مِن جُشَمِ

فَخرٌ يَدُومُ لَهُم فَضلٌ بِذِكرَتِهِ

ما سارَت العِيسُ بِالزُّوّارِ لِلحَرَمِ

يَومٌ بِهِ أَرَّخَ الإِسلامُ غُرَّتَهُ

وَأَدرَكَ الدِّينُ فيهِ ذِروَةَ النُّجُمِ

أما الشيخ الشاعر يوسف النبهاني فقد وصف موقف الوصول إلى المدينة المنورة، وأسقط الشعور على المكان فشخَّص المدينة نفسها وحمّلها أشواق ساكنيها؛ فقال:

وَلهُ اِشتاقَت المدينةُ فالأنـْ

ـصارُ فيها مِن شَوقهم أَنضاءُ

وَهُناكَ المهاجرونَ لَديهمْ

مُهَجٌ برّحتْ بها البُرَحاءُ

بَينَما هُم بالانتظارِ وَمِنهمْ

كلَّ وقتٍ لشأنه اِستِقراءُ

ويكمل تصوير الموقف المهيب، ويصف لنا ما حمله قدوم رسول الله إلى المدينة المنورة من بهجة وسعادة عارمة أزاحت عن المسلمين المتلهفين للقائه كل حزن وهم وغم، وكيف طارت أفئدة الأنصار من الفرح بقدومه والتيمن بحضوره وإقامته بينهم، وكيف نصروه ومن معه وكانوا لهم إخوة وأعوانًا:

فَاجَأتهم أَنوارُهُ فَأزالتْ

كلَّ حزنٍ وعمّتِ السرّاءُ

حيِّ أنصارَهُ فَلا حيّ في العُر

بِ سِوى حيِّه لهمْ أكفاءُ

عاهدوهُ فَما رَأَينا وَلَم نَسـْ

ـمَعْ بِقومٍ همْ مثلُهمْ أوفياءُ

أَحسَنوا أحسَنوا بغيرِ حسابٍ

مِثلَما قومهُ أساؤوا أساؤوا

مِنهمُ سيّدٌ لهُ اِهتزّ عرشُ الـ

ـلَهِ شَوقًا ومنهم النُّقَباءُ

وللمهاجرين من القصيدة نفسها نصيب وافر، فقد جادوا بالنفس وما حُبب إليها من ولد وبلد وفارقوا وجاهدوا حبًّا لرسول الله وطاعة لأوامره، وغادروا البلاد والأحباب والأصحاب في سبيل إعلاء كلمة الإسلام، فقال واصفا ما بذلوه:

وَكفاكَ المُهاجرونَ كفاةً

أيُّ مَدحٍ لما أتوه كِفاءُ؟

آمَنوا بالنبيِّ حينَ جزاءُ الـْ

مرْءِ قتلٌ أو ردّةٌ أو جَلاءُ

فارَقوا الدارَ والأحبّة في اللَـ

ـهِ وللَّه هَجْرُهمْ واللقاءُ

وعن ماهية الهجرة النبوية بين الفر والكر، وأنها لم تكن فرارًا بل كانت تخطيطًا لبداية عهد جديد؛ يقول الشاعر عبد الرحيم محمود:

لم تكنْ هجرةُ طه فَرَّةً

إنما كانت على التحقيق كَرَّهْ

كانقباضِ الليث ينوي وثبةً

وانقباضُ الليث في الوثبةِ سَوْرَهْ

يوم الهجرة النبوية يوم مجد عظيم للمسلمين، فقد ظهر الإسلام من بعد ذلك بوصفه الحقيقي؛ دين الحق والعدالة والمساواة بين البشر، وفي ذلك يقول عبد الرحيم محمود:

يومُ مجدٍ فات ما أجمل ذكرَهْ

فيه لو نفطن آيات وعِبرَهْ

فيه أن الحق إنْ حصَّنهُ

قادرٌ لم يستطعْ ذو البُطْلِ هَدْرَهْ

شِرْعَةٌ علَّمناها الْمصطفى

ليتنا نمشي على شَرْعِهِ إثْرَهْ

صلوات ربي وسلامه على رسولنا الكريم الذي أدى الأمانة وكان المثال الأوحد والقدوة الأمثل، ولا أجد أجمل من قول الشاعر أنس الدغيم لأختم به:

شتّانَ بينَ المالكَيْنِ نِـصابًا

ملكَ القلوبَ و يملكونَ رِقابا



اقرأ على الموقع الرسمي


اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading