وجّه الكاتب ديفيد هيرست انتقادات لاذعة لحزب العمال البريطاني وزعيمه كير ستارمر، قائلا إنهما تجاهلا غضب الناخبين وحنثا بتعهدهما للفلسطينيين في عدة قضايا.
وقال، في مقال مطول له بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، إنه يبدو أن التوقعات العالية بشأن تغيير محتمل في مسار حكومة حزب العمال بشأن فلسطين والناخبين المسلمين البريطانيين قد تحطمت خلال الأسبوعين الأولين لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في منصبه.
وأوضح أن حكومة ستارمر بدأت بوجه مشرق بتسريب لصحيفة “غارديان” بأن المملكة المتحدة ستسقط اعتراضها القانوني على طلب المحكمة الجنائية الدولية للحصول على مذكرات اعتقال تستهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب في غزة.
وقال إن هذه الخطوة بدأت بتعيين ريتشارد هيرمر مدعيا عاما. وهيرمر هو أحد المحامين الذين وقّعوا خطابا في مايو/أيار 2023 يدعو فيه وزير الخارجية السابق، جيمس كليفرلي، للمشاركة في فتوى محكمة العدل الدولية حول العواقب القانونية لأعمال إسرائيل في الأراضي المحتلة والقدس.
كانت تبشر بالخير
ولفت الانتباه إلى أن حكومة حزب المحافظين السابقة كانت قد طعنت في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على إسرائيل على الرغم من أن القضية قد نظرت فيها المحكمة بشكل شامل لمدة 9 سنوات طويلة قبل أن تقرر في عام 2021 أن لها اختصاصا.
وأضاف أن حزب العمال كان واضحا بأنه يجب التمسك بالقانون الدولي، وأنه يجب احترام استقلال المحاكم الدولية، وأن جميع الأطراف يجب أن تخضع للمساءلة، ويجب على إسرائيل الآن الامتثال للأوامر الواردة في حكم محكمة العدل الدولية بالكامل.
الاختبار الأخلاقي الأول
والآن بعد أن أصبح حزب العمال في السلطة، لم يدم التفاؤل طويلا. وفي غضون أيام، كشف محامي حقوق الإنسان المتميز جيفري روبرتسون -الذي أعطى ستارمر وظيفته الأولى كمحام- أن واشنطن كانت تضغط على ستارمر للتراجع، وكتب بتشاؤم أن هذه القضية ستكون “أول اختبار أخلاقي كبير” لرئاسة ستارمر للوزراء.
في الأسبوع الماضي، سافر ستارمر ووزير خارجيته ديفيد لامي إلى الولايات المتحدة لحضور قمة حلف الناتو، حيث تشددت واشنطن قائلة إنها ستتابع اعتراضها بأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص على إسرائيل.
وكانت رحلة لامي التالية إلى إسرائيل، حيث أذهل الكثيرين بمصافحة نتنياهو، أحد الرجال المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان.
وعقد لامي اجتماعا، بعد ساعات فقط، من تفويض نتنياهو بشن غارة جوية على المواصي في خان يونس التي كانت قد صنفت في السابق منطقة آمنة. وقتل أكثر من 90 فلسطينيا وجرح المئات.
رغم ازدرائها للمحاكم الدولية
وكانت تلك الغارة، حتى بعد 9 أشهر من المذابح المتكررة للمدنيين في غزة، بمثابة انحدار جديد أظهر ازدراء إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية التي سبق أن حذرت إسرائيل من عدم الالتزام باتفاقية الإبادة الجماعية.
وقال هيرست إنه لم تأت كلمة واحدة -أستطيع أن أجدها- من شفاه لامي عن مذبحة المواصي، على الرغم من أن رئيس وزرائه كان قد رد بسرعة على الضربة الروسية على مستشفى للأطفال في كييف في نفس الأسبوع.
بعد يوم من لقاء لامي مع نتنياهو، ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية ذات المصادر الجيدة أن وزير الخارجية البريطاني أعطى إسرائيل تأكيدات بأن المملكة المتحدة ستحافظ على اعتراضها على الطلب الذي أثارته في البداية حكومة المحافظين، لكن وزارة الخارجية البريطانية نفت اتخاذها أي قرار.
جبن لا واقعية
وتساءل هيرست عن صمت لندن بشأن مذبحة المواصي: هل صمتت عن تلك المذبحة خضوعا لضغوط من الولايات المتحدة وإسرائيل على المحكمة الجنائية الدولية؟ وهل هذا الصمت هو ما يقصد به ستارمر ولامي الواقعية؟ ويقول الكاتب إن لديه كلمة أخرى للواقعية المزعومة، وهي “الجبن”.
واستمر في انتقاده لستارمر وحكومة العمال قائلا، ليس من المستغرب أن يتبع ستارمر المسار الذي سلكته كل حكومة بريطانية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن المستغرب أن نجدهما يفعلان ذلك في هذه الأوقات الاستثنائية.
وأوضح أنه لم يحدث من قبل أن شنت إسرائيل حربا في غزة استمرت تسعة أشهر، ولم يسبق أن قُتل ما يصل إلى 40000 شخص بشكل مباشر، وربما ثلاثة أضعاف هذا العدد بشكل غير مباشر، كما ذكرت مجلة “لانسيت” الطبية هذا الشهر، ولم يحدث من قبل أن كانت إسرائيل في قفص الاتهام لاثنين من أعلى المحاكم الدولية.
إن تزويد إسرائيل بالأسلحة في أي ظرف من الظروف أمر يثير التساؤلات والقيام به في هذه الظروف يمكن أن يرقى إلى مستوى التواطؤ في جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
تمويل أونروا
وقال إن الخطوة التالية التي كانت متوقعة من حكومة ستارمر هي أن يعيد لامي تمويل بريطانيا البالغ 45 مليون دولار للأونروا.
لكن لامي وحكومته قطعا هذا التمويل سريعا، ودون بذل العناية الواجبة، بعد أن ادعت إسرائيل، دون أي دليل، أن أعضاء أونروا شاركوا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول وأن ما يصل إلى 10% من موظفيها في غزة كانوا أعضاء في حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
إن جوهر ما أراد نتنياهو تحقيقه طوال الوقت من طرد أونروا لا علاقة له بمحاربة (حماس)، بل بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. فأونروا هي الوكالة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي تعترف باللاجئين الفلسطينيين وذرياتهم. “لا أونروا، لا مشكلة لاجئين، لاستلاف عبارة من ستالين”، يقول هيرست.
وتساءل الكاتب: هل يجب على بريطانيا، وهي المسؤولة تاريخيا عن أول أزمة كبرى للاجئين الفلسطينيين في 1948، المعروفة باسم النكبة، أن تتبع إسرائيل في هذا الطريق؟ “ستفعل ذلك على مسؤوليتها، في الشرق الأوسط وفي الداخل”.
وقال إن ذروة السخرية، أن ستارمر وعد في خطاب الملك بأن حكومته ستكرّس نفسها لإنشاء دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية، في الوقت الذي ألغى فيه الكنيست الإسرائيلي حل الدولتين -بأغلبية ساحقة، “ما الذي يمكن أن يكون أكثر سخرية من الاستمرار في سياسة تعلمون أنها لن تُنفذ من قبل أي زعيم إسرائيلي؟”، تساءل هيرست.
حملة تشويه
أما القضية الثالثة التي تناولها هيرست في مقاله فهي المتعلقة برد فعل حزب العمال على الرفض الواضح الذي تلقاه من الجالية المسلمة في بريطانيا، التي كانت قبل الحرب الإسرائيلية على غزة، أكبر مجموعة ناخبة للحزب.
وقال إنه من الممكن أن يكون لحزب العمال واحد من ردين على الناخبين الذين يقررون عدم التصويت لصالحه: يمكنه أن يعترف إما أنه من حقهم الاحتجاج، وأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها تسجيل عدم رضائهم عن أداء نائبهم، وأن الديمقراطية في حزب العمال هي التي يمكن للحزب أن يتعلم منها، ثم يمكنه بعد ذلك الاقتراب من أعضاء هذا المجتمع والتفاعل معهم.
أو يمكن أن يتجاهل هذا المجتمع ويدعه يتحول إلى ناخبين آخرين مثل المحافظين الساخطين.
هذان هما الخياران الوحيدان إذا كان يؤمن بالديمقراطية، كما يدعي.
ما لا يستطيع حزب العمال فعله هو السعي لتجريم هذا التصويت الاحتجاجي ونزع الشرعية عنه بالقول إن التصويت ضد نواب حزب العمال كان من أعمال التخويف، وإنه كان حملة “سامة” للتنمر على الناخبين العاديين لرفض نائبهم الحالي.
ما لا يستطيع الحزب فعله هو تعيين مجالس إسلامية مزيفة للتحدث نيابة عن مجتمع ليس له رأي في اختيارهم، لأنه إذا سار حزب العمال في هذا المسار الاستبدادي، فإن الغضب والسخط في هذا المجتمع سيزداد باطراد، مع كل العواقب المترتبة على ذلك.
وأشار الكاتب إلى أن المسلمين وغيرهم من الناخبين المؤيدين لفلسطين لا يقومون بترهيب النواب، “إنهم يحاسبونهم على الأصوات التي أدلوا بها في البرلمان، إنه درس جيد في الديمقراطية”.
رد استبدادي
وقال إن بريطانيا، مثل فرنسا وألمانيا، تسير على طريق تجريم المعارضة السياسية التي يتم التعبير عنها سلميا، “لكن هذا الرد الاستبدادي قد أثبت فشله في كل مرة يُجرب فيه”.
فقد حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقسيم المسلمين الفرنسيين إلى “مسلمين صالحين” و”مسلمين سيئين”، ودفع ثمنا باهظا لهذه السياسة في الانتخابات الأخيرة.
وتمت تجربة هذه السياسة نفسها في النمسا حيث وُضعت، في مرحلة ما من الحملة ضد الإخوان المسلمين، لافتات على الطرق تحذر سائقي السيارات من المساجد الخطرة، كما تتم محاولتها في ألمانيا حاليا، حيث يتم الآن إدراج إعلان دعم إسرائيل في قوانين الحصول على الجنسية.
في جميع أنحاء أوروبا، يلجأ المدافعون عن الديمقراطية الليبرالية بشكل متزايد إلى الوسائل غير الليبرالية. كل ما يفعلونه هو تأجيج نيران العنصرية المعادية للمسلمين وهناك الموجودون في أقصى اليمين الذين لا يتورعون عن التعبير عن ذلك.
وختم هيرست مقاله بقوله: الله يساعد فلسطين تحت ولاية ترامب الثانية. لكن حكومة ستارمر ترمي بريطانيا في أيدي أقصى اليمين، “حكومة ستارمر لن تفشل فقط، بل ستجر، بقمعها المعارضة المؤيدة لفلسطين، الديمقراطية في بريطانيا إلى الوراء”.
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.