خطة وضعها الحزب النازي الألماني هدفت إلى نقل اليهود الأوروبيين إلى جزيرة مدغشقر، وبدأ التخطيط لها عام 1938، إلا أن ألمانيا النازية تراجعت عنها بعد خسارتها معركتها مع بريطانيا عام 1941، وإقرارها لاحقا برنامج الحل النهائي لمسألة اليهود بأوروبا عبر ما عرف بـ”المحرقة النازية”، ومنع هجرة اليهود إلى أوروبا وترحيل الموجودين داخلها.
نشأة الخطة
كان أول من اقترح ترحيل يهود أوروبا الشرقية إلى مدغشقر الفيلسوف الألماني بول دي لاغارد عام 1885، ثم ناقشت بولندا واليابان خططا ركزت على إمكانية استخدام جزيرة مدغشقر لتهجير السكان إليها، وذلك لحل مشاكل الزيادة السكانية في البلدين عام 1926.
عام 1937 أرسلت بولندا لجنة إلى مدغشقر لتحديد مدى صلاحيتها لتهجير اليهود إليها، وخلص رئيس اللجنة إلى أن مدغشقر تستطيع استيعاب ما بين 40 ألفا و60 ألف يهودي، لكن يهوديَين كانا من ضمن اللجنة اعترضا على التقييم، واعتبرا أنه لا يمكن توطين سوى ألفي يهودي هناك، خصوصا مع رفض السكان الأصليين في الجزيرة لهجرة اليهود، ومع ذلك بدأت بولندا التفاوض مع فرنسا المستعمرة لمدغشقر حينها.
بدأ الحزب النازي فور وصوله إلى سدة الحكم عام 1933 بالضغط على اليهود لمغادرة ألمانيا، ثم بدأ البحث عن خطط أكثر جدوى لإخراجهم من البلاد بشكل أسرع، إلى أن اعتمدت مدغشقر للترحيل عام 1938 بخطة اتفق عليها كل من القائد النازي يوليوس شترايخر، ووزير الخارجية الألماني يواخيم فون ريبنتروب، والمنظر السياسي ألفرد روزنبرغ وقائد سلاح الطيران الألماني هيرمان غورينغ.
وفي 12 مايو/أيار 1938 حاول رئيس بنك الرايخ الألماني هيلمار شاخت الحصول على قرض دولي لإرسال اليهود إلى مدغشقر، وكانت حجته أن ألمانيا ستحقق ربحا كبيرا لأنه لن يسمح لليهود المهاجرين بأخذ أموالهم معهم، إلا إذا اشتروا بها منتجات ألمانية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1939 وضع ريبنتروب خطة تهجير اليهود إلى مدغشقر، وكانت جزءا من اقتراح السلام الذي قدمته ألمانيا إلى بابا الفاتيكان.
تطورات الخطة
كان التفاوض الأساسي في خطة مدغشقر بين رئيس بنك الرايخ ورئيس اللجنة الدولية، التي شكلها مندوبو 32 دولة اجتمعوا في مدينة إيفيان الفرنسية في الفترة 6-15 يوليو/تموز 1938.
ونصت الخطة الألمانية على إرسال 150 ألف يهودي خلال 3 سنوات، في انتظار إرسال ربع مليون يهودي آخرين إلى وجهات أخرى، بينما كان على الدول المشاركة في مؤتمر إيفيان أن تتكفل بتمويل هذه العملية، لأن ألمانيا اعتبرت الممتلكات اليهودية ملكا لها.
وقدرت قيمة أموال اليهود في ألمانيا بـ6 مليارات مارك ألماني آنذاك، وخططت ألمانيا لتحويل 25% من المبلغ إلى صندوق خاص يرفع الحظر عنه عندما يتم رفع الحظر المفروض على صادرات ألمانيا.
وحدد دور الجاليات اليهودية في الخارج بتغطية نفقات السفر والإقامة للمهاجرين، من خلال قروض تستخدم لشراء منتجات صناعية ألمانية، وترسل النفقات مباشرة إلى الصندوق الألماني الخاص، أما نسبة 75% المتبقية من رأس المال اليهودي فستعود إلى الرايخ الألماني، باستثناء المبلغ اللازم لدعم اليهود الألمان المتبقين، وبسبب رفض الدول الأعضاء في مؤتمر إيفيان استقبال اللاجئين اليهود توقفت المفاوضات عند هذه النقطة.
وبعد هزيمة بولندا أمام ألمانيا عام 1939؛ أصبح حوالي 1.7 مليون يهودي تحت الحكم الألماني، وقرر النازيون إنشاء “محمية يهودية” في منطقة “لوبين” البولندية، على أن تضم جميع يهود بولندا والرايخ الألماني، وفورا طردت مئات العائلات اليهودية من بولندا لإفساح المجال أمام الألمان القادمين.
ومع سقوط فرنسا أمام ألمانيا النازية في يونيو/حزيران 1940، اقتربت ألمانيا من تنفيذ خطة مدغشقر في المستعمرة الفرنسية، وكان من مقترحات شروط الاستسلام الفرنسي لألمانيا إتاحة المستعمرات الفرنسية -وأهمها مدغشقر- لتكون وجهة لتهجير اليهود من أوروبا، وذلك بالتزامن مع خطة بديلة كانت لدى الزعيم النازي أدولف هتلر تتمثل بترحيل اليهود إلى الاتحاد السوفياتي في حال استطاعت ألمانيا هزيمته في الحرب.
وانتقلت مسؤولية تنفيذ الخطة ومتابعتها من وزير الخارجية إلى رئيس قسم الأمن الأساسي أدولف أيخمان، الذي أصدر مذكرة تدعو إلى إعادة توطين مليون يهودي سنويا لـ4 سنوات، بحيث تصبح أوروبا خالية منهم، وتتحول مدغشقر إلى مستعمرة ألمانية تحت حكم ذاتي يهودي، وتكلّف القوات الخاصة الألمانية بتأمين الجزيرة.
وأيّد الخطة الحاكم العام الألماني الذي عُين على بولندا هانز فرانك، واعتبرها أكثر نجاعة من عمليات ترحيل اليهود سابقا إلى بولندا.
فشل خطة مدغشقر
في مايو/أيار 1941 انتهت المعركة البحرية بين بريطانيا وألمانيا بهزيمة ألمانية، ما جعل تطبيق خطة مدغشقر غير ممكن بسبب خطورة الشحن عبر المحيط الأطلسي في ظل انتشار الغواصات البريطانية فيه.
وفي فبراير/شباط 1942 اعترف السياسي الألماني فرانز راديماخر -الذي كان أحد المشرفين على ترحيل اليهود من فرنسا وبلجيكا وهولندا- بأن خطة مدغشقر ماتت بسبب ظهور خيارات بديلة.
وجاءت تصريحاته بعد مؤتمر وانسي، الذي عقد في برلين في يناير/كانون الثاني 1942 تحت عنوان “الحل النهائي للمسألة اليهودية”، وناقش فيه 15 مسؤولا نازيا الخطط البديلة للتخلص من اليهود في أوروبا، وشملت الترحيل وإنشاء المعسكرات والقتل بديلا عن تنفيذ خطة مدغشقر التي تعذر المضي فيها.
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.