موسكو– باتت روسيا قاب قوسين أو أدنى من منعطف جديد في صراعها متعدد الأوجه مع الغرب، بعد أن أظهرت المداولات الأخيرة بين وزراء مالية مجموعة السبع التي جرت في ستريزا بشمال إيطاليا توافقا أكبر حول قرار مجلس الاتحاد الأوروبي بنقل معظم الدخل الناتج عن استثمار الأصول الروسية المجمدة إلى أوكرانيا لدعمها في الحرب.
وقبل ذلك، كانت المفوضية الأوروبية وافقت على اقتراح لاستخدام عائدات الأموال الروسية المجمدة لتقديم المساعدة إلى كييف، ينص على تحويل 90% من إيرادات الأصول الروسية لشراء قذائف لأوكرانيا وتحويل 10% إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي للدعم اللاحق لأوكرانيا.
وبعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قام الغرب بتجميد أصول روسية قيمتها نحو 300 مليار يورو، من المقرر أن تُنفق عائداتها على شراء أسلحة لكييف.
موسكو تحذر
وردا على الموقف الأخير، أعلن المندوب الروسي لدى الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيغوف يوم 21 مايو/أيار أن الاتحاد الأوروبي سيضطر عاجلا أم آجلا إلى إعادة الأصول الروسية المجمدة التي تم الاستيلاء عليها، محذرا من أن “العواقب المترتبة على هذه السابقة لن يكون من الممكن التنبؤ بها، بما في ذلك بالنسبة لمنطقة اليورو، واقتصادات البلدان الأعضاء في الاتحاد ومناخ الاستثمار”.
من جانبها، حذرت مديرة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا من أن موسكو ستتخذ “الإجراءات المناسبة لحماية مصالحها إذا تصرف الغرب بالأصول الروسية المجمدة”.
أما وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، فكان أكثر وضوحا في تصريحاته إذ قال إنه “إذا تم حجز الممتلكات والأموال والاحتياطات الخاصة بنا من قبل الدول الغربية واستخدام دخولها، فإننا سنتصرف بالطريقة نفسها تماما، وسنصادر جميع الأصول التي تمتلكها الدول الغربية هنا في روسيا”.
وفي تصريح سابق لـسلونوف في فبراير/شباط الماضي قال فيه إن بلاده جمدت أصول غربية بقيمة لا تقل عما جمده الغرب.
محاذير
ويرى خبراء ومراقبون روس -قابلتهم الجزيرة نت- أن قرار الاتحاد الأوروبي تحويل عائدات الأصول الروسية المجمدة كمساعدة عسكرية لكييف -في حال حدث ذلك- لن يمر دون عواقب على الأنظمة المالية، حتى في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة.
ويشكك الخبير الاقتصادي الروسي فيكتور لاشون في أن كل هذه الأموال سوف تذهب لمساعدة أوكرانيا، فبعضها قد ينتهي به الأمر في شركات الأسلحة العابرة للحدود في الولايات المتحدة، وكذلك في جيوب الموظفين الأوروبيين، حسب تعبيره.
ووفقًا للاشون، فإن احتمال اختلاس الأموال مرتفع للغاية، لأنه حتى الآن من الواضح أن الأموال التي يتم تحويلها إلى أوكرانيا لا تصل إلى المتلقي (أي الجيش الأوكراني). وفي ظل دعاية الفساد الأوكراني المتفشي، فإن هذه الأموال، التي يتم نقلها إلى أوكرانيا، تُسرق أيضا في الغرب.
رفع معنويات
ولا يستبعد لاشون أن تكون التصريحات الغربية حول تحويل فوائد الأصول الروسية مرتبطة بـ”رفع معنويات سكان أوكرانيا ونخبة قطّاع الطرق الذين يحاولون اليوم القتال ضد روسيا لمصلحة الغرب”.
وعلى المستوى الرسمي، دفعت رغبة المنظومة الغربية في تجميد الأصول الروسية -التي قد تتطور لاحقا إلى مصادرتها- موسكو للتحرك، فوقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يسمح لموسكو والشركات الروسية بتعويض الأضرار التي لحقت بها على حساب الأصول الأميركية في روسيا.
وهذه الخطوة يرى فيها الكاتب في العلاقات الدولية إيغور يوشكوف تحركا روسيا، لكنه يحمل بالدرجة الأولى تحذيرات لأوروبا.
ويوضح يوشكوف فحوى المرسوم الرئاسي بأن الولايات المتحدة وروسيا لا تربطهما علاقات مالية كبيرة، مثل التي مع الدول الأوروبية، لذا فإن حجم الأصول في الولايات المتحدة لم تكن بالحجم نفسه في أوروبا، وهو ما يتضح من المشاركة الكبيرة لعديد من الشركات الأوروبية في أعمال النفط والغاز وعديد من المشاريع الأخرى على الأراضي الروسية.
وبناء عليه، يؤكد المتحدث أنه من غير الممكن في الوقت الحالي إعطاء إجابة محددة عما إذا كانت الأصول الأميركية في روسيا ستكون كافية للتعويض عن الأضرار.
وحسب رأي يوشكوف، فإن الأميركيين يدفعون الأوروبيين إلى أن يحذوا حذوهم، بأن يحولوا إلى أوكرانيا ليس فقط الفوائد التي تقطر من احتياطات الذهب الروسي والعملات الأجنبية المجمدة، بل وأيضا الأصول نفسها.
ويوضح أن الحديث يدور عن استثمار الأموال السيادية الروسية في السندات والأوراق المالية الأخرى التي تدر الدخل، ويقوم الأوروبيون باستثمار هذا الدخل والأرباح المحصلة من هذه الاستثمارات ليتم سحبها وإعطاؤها لأوكرانيا أو لمساعدة أوكرانيا. بتعبير آخر، يمكنهم استثمار هذه الأموال في مصانعهم لإنتاج الأسلحة والذخائر لصالح أوكرانيا، بينما الولايات المتحدة تضغط على أوروبا لمنح أوكرانيا كل عوائد الأصول الروسية.
الخاسر الأكبر
ويتابع يوشكوف أنه على الرغم من أن مرسوم بوتين يتعلق مباشرة بالولايات المتحدة، فإن التشريع يمكن تطبيقه على دول أخرى، لا سيما دول الاتحاد الأوروبي، في حال تم الاستيلاء على الأصول الروسية. وبالتالي، يمكن لشركات مثل غازبروم وروساتوم وغيرها الاستفادة من هذه الآلية للرد على الخطوة الأميركية الأوروبية.
ففي مجال النفط والغاز، تمتلك توتال الفرنسية ما يقرب من 20% من الأسهم في عملاق الطاقة الروسي نوفاتيك، وتمتلك شركة بريتيش بتروليوم ما يقرب من 20% في روسنفت الروسية، علاوة على وجود أسهم أجنبية في غازبروم الروسية.
ويضيف المتحدث إلى ذلك الأموال التي كانت مستحقة عند دفع أرباح الأسهم للأجانب ولكن تم تجميدها في حسابات خاصة، والتي يمكن كذلك توزيعها كتعويض عن الأضرار.
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.