من لبنان ومصر مرورا بالأردن إلى تركيا، يبدو أن حملات التضييق على اللاجئين والمهجّرين السوريين آخذة في التنامي، وباتت دول اللجوء تنادي بضرورة إرجاعهم إلى بلدهم، وشرعت حكومات هذه الدول باتخاذ المزيد من الإجراءات لإدارة مجتمع اللجوء الذي يرون أنه بدأ يشكّل عبئا على بلادهم.
وفيما يتعرض المهاجرون السوريون إلى مضايقات واعتداءات طالت حياتهم، تحوّل ملفّ لجوئهم، وفق المحللين والباحثين، إلى “ورقة ابتزاز سياسي وإنساني” يتجاذبها أطراف الصراع السياسي إقليميا ودوليا.
ورقة ابتزاز سياسي
ومقابل السماح للاجئ السوري بالعودة إلى وطنه، اشترط النظام السوري على المجتمع الدولي سلسلة من المطالب، وقال في بيان رئاسي “إن العودة الآمنة للاجئين إلى بلداتهم أولوية بالنسبة للدولة مع ضرورة تأمين البنية الأساسية ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكافة أشكالها ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية”.
وفي أواخر عام 2023، أوضح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مطالب حكومته بقوله “إنّ عودة اللاجئين تواجه صعوبات لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي والإنساني الصعب الذي تسبب به بشكل أساسي الإرهاب، ثم العقوبات والحصار الاقتصادي المفروض على البلاد، ولكي يعود اللاجئ يحتاج لبنى تحتية ومرافق خدمية”.
وكان المقداد أشار في تصريح سابق إلى أن “اللجوء مسألة فيها عبء، لكن سوريا تريد لكل أبنائها اللاجئين أن يعودوا إلى وطنهم ليكون هذا العبء على الوطن وليس على الآخرين!”.
وفي هذا الأمر، ترى الكاتبة السياسية اللبنانية عالية منصور، في حديثها للجزيرة نت، أنّ النظام السوري هو من تسبب “بتهجير السوريين ويرفض عودتهم إلى مدنهم وبلادهم، وأنه يستعمل ملف اللاجئين للابتزاز السياسي، فهو يشترط إعادة الإعمار قبل البحث في عودة اللاجئين”.
وفي تصريحه للجزيرة نت فسّر المحلل السياسي التركي عبد المطلب إربا هذه السلوكيات بأنّ “تهجير اللاجئين السوريين يصبّ في صالح النظام السوري، لذا لا يريد عودتهم، لأنّ عودتهم تعني زعزعة كيانه السياسي والاقتصادي والأيديولوجي والاجتماعي”، لكن تركيا برأيه “لن تقبل بهذا الحال، والأيام القادمة حبلى بالأحداث”.
الدعم الدولي للدول المضيفة
وفي ظلّ تجفيف منابع الدعم الدولي والدعم بالتقطير لملف اللاجئين السوريين بالتزامن مع تعنت النظام ومحاولته الالتفاف -حسب المحللين- على مطالب الدول المضيفة والمجاورة بضرورة استقباله لمواطنيه، لجأت الدول لإدارة ملف اللاجئين وفق القانون المحلي والمواقف السياسية المتباينة.
فقد حذّرت الخارجية الأردنية من التراجع الدولي في دعم الدول المضيفة للاجئين موضحة “أنّ مسألة عودتهم إلى وطنهم هي مسألة ضرورية بالنسبة للأردن، ونريد تهيئة الظروف التي تتيح هذه العودة”.
وتعتبر المملكة الأردنية إحدى أكثر الدول تأثرا بما تشهده سوريا، إذ تستضيف على أراضيها نحو 1.3 مليون سوري ويعيش معظمهم في مخيمات أكبرها مخيم الزعتري.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مؤتمر للمانحين بقيادة الاتحاد الأوروبي “إننا نشعر بأنه تم التخلي عن اللاجئين وعن الدول المضيفة”.
وفي هذا يقول إربا إنّ “الاتحاد الأوروبي قصّر في دعم مطالب اللاجئين وألقى العبء على الدول المضيفة وكان عليه بالنسبة لتركيا أن يضع يده بيدها ويساعدها في بناء بيئة آمنة ومناسبة لاحتواء هؤلاء المنكوبين واللاجئين السوريين”.
تسييس اللجوء
وفي السياق، اتجهت الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ إجراءات أمنية وسياسية وقانونية لإدارة هذا الملف الإنساني وتسييسه حسب محللين، وأكّد مركز وصول لحقوق الإنسان على أن حملة أمنية واسعة ضد اللاجئين السوريين في لبنان بدأت في أبريل/نيسان الماضي 2023، وهددت حياة الآلاف وأمنهم”.
وأشار المركز إلى أن لديه “شهادات تثبت تعرّض اللاجئين إلى الاعتقال والتعذيب في ثكنات عسكرية تابعة للجيش اللبناني الذي ينقلهم وبشكل جماعي إلى المعابر الحدودية ليسلمهم إلى السلطات السورية بشكل غير قانوني، وأن الفرقة الرابعة تسلّم هؤلاء اللاجئين إلى عصابات التهريب على الحدود، التي بدورها تحتجزهم في بيوت ومزارع حدودية تابعة لها لابتزازهم والتلاعب بمصيرهم”.
وكان تقرير حديث صادر عن المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان كشف النقاب عن وجود ضباط منشقين ومعارضين سوريين في قبضة الأجهزة الأمنية اللبنانية، موقوفين على خلفية قضايا تقول السلطات اللبنانية إنها أمنية”.
ويوجد في لبنان نحو مليوني لاجئ سوري، مما تسبب -وفق تصريح عالية منصور- بمخاوف في لبنان “من التغيير الديمغرافي ونمو المجتمع السوري المتزايد وتحوله لقوة اجتماعية وسياسية داخل لبنان”، لا سيما أن الحكومة اللبنانية “تتعاطى اليوم مع الملف للضغط لصالح بشار الأسد والمطالبة برفع العقوبات عنه وإعادة العلاقات الأوروبية معه”.
وسبق أن تحدث تقرير لوكالة رويترز عن وجود تجييش ضد الوجود السوري في لبنان، وأنه تم حث أصحاب العمل على التوقف عن توظيفهم في الأعمال البسيطة، وأصدرت بعض البلديات أوامر بحظر تجول السوريين ليلا، ووصل الأمر إلى حد طرد مستأجرين سوريين من بيوتهم وتفكيك بعض مخيماتهم غير الرسمية.
وفي حديث سابق مع الجزيرة نت، أعلن وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين أن وزارته “لديها ورقة تفاهم للبدء بتفكيك المخيمات وأنّها تمتلك خطة لإعادة 15 ألف سوري كل شهر، إذ تمت الموافقة عليها من الجانب السوري والحكومة اللبنانية، وننتظر القرار السياسي لتنفيذها”.
ويوضح شرف الدين بأنه “بالنسبة للمعارضين السياسيين فأمامهم 3 حلول، إما الاستفادة من العفو الرئاسي السوري وإما الهجرة لدولة ثالثة بالتنسيق مع المفوضية أو الذهاب لمناطق المعارضة في شمال شرق سوريا”.
إجراءات قانونية
وفي مصر -التي تستضيف نحو مليوني لاجئ سوري- وفي سياق إدارة ملف اللاجئين قانونيا ومحليا، نفذت الحكومة سلسلة إجراءات خاصة بالوضع القانوني للاجئين، وأعطتهم مهلة لتصحيح أوضاعهم القانونية، قبل أن تبدأ عمليات الترحيل للمخالفين.
وأوضحت مصادر محلية أن ذلك جاء “تنفيذا لإجراءات الترحيل لأي أجنبي من الأراضي المصرية، وفقا لما هو منصوص عليه في القانون حال ارتكابه جريمة تستوجب ترحيله أو عدم حصوله على الأوراق والمستندات المطلوبة للإقامة بشكل شرعي”.
أما في تركيا، فيرى المحلل السياسي التركي عبد المطلب إربا أن تعاطي أنقرة مع ملف اللاجئين ينطلق من واقعها واحتياجها السياسي والاجتماعي ولا يوجد أي تنسيق مع الدول الأخرى في هذا الشأن مطلقا، موضحا “أنّ ملف اللاجئين السوريين أصبح عبئا على الحكومة التركية ويستخدم كورقة سياسية ضدها في الانتخابات وهذا أمر مؤثّرة للغاية”.
ويرى المحلل السياسي أن استقبال تركيا للاجئين كان بدافع إنساني وحقوقي بحت، وتقصيرها ناتج عن عدم خبرتها في التعاطي مع ملف اللجوء فقط، ولكن بسبب التيارات القومية الرافضة فإن الحكومة التركية لم تنجح في تحقيق الاندماج الثقافي بين السوريين والأتراك.
وفي حين استبعد إربا أن يكون دور الدول في استقبال اللاجئين وظيفيا لتخفيف العبء عن النظام السوري، تؤكد عالية منصور على أنّه “لا يمكن القول إن استقبال دول العالم للسوريين بداية كان لتخفيف العبء السياسي عن بشار، فالناس هي التي قررت الخروج من دوامة القتل والعنف الممارس من قبل النظام، والدول المضيفة التي استقبلتهم تستقبل لاجئين من جنسيات مختلفة”.
ولأنه لا يمكن وضع الدول بسلة واحدة، بحسب الكاتبة، فإنّ سياسة الاتحاد الأوروبي مع اللاجئين تختلف كليا عن سياسة لبنان التي تختلف أيضا عن سياسة الأردن.
وبكل الأحوال إنّ عودة اللاجئين لن تتم بين ليلة وضحاها فهناك العديد من التفاصيل واجبة الحل والتي قد تستغرق سنتين وأكثر، ويبقى التساؤل هل تعتبر سلوكيات الدول المضيفة بمثابة الضغط على النظام السوري بغية إجباره على عودة اللاجئين لسحب هذه الورقة التفاوضية الضاغطة من يديه، أم أن مثل هذه المساعي تعيد إنتاجه، ولأي مدى يبدأ رحيل الأسد بالعودة؟.
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.