أحمد إبراهيم الشريف يكتب: إيزيدورا.. الاستشهاد فى الحب
أدب وثقافة

أحمد إبراهيم الشريف يكتب: إيزيدورا.. الاستشهاد فى الحب

اشراق العالم 24 متابعات ثقافية:


في كتابها “معك” تتحدث السيدة سوزان طه حسين عن زوجها العميد فتقول “ذات يوم، دخلنا إلى واحد من هذه القبور (تقصد قبور منطقة تونا الجبل في محافظة المنيا) كان يشبه القبور الأخرى بدرجه الخارجي الضيق، صعدنا إلى الغرفة الصغيرة، وكان قد وُضِع فيها قديمًا جسدٌ نحيفٌ لفتاة كانت قد أَلْقَتْ بنفسها في النيل اسمها إيزيدورا، وتقول الكتابة الموجودة على قبرها إنَّ أباها قد طلب من أجلها القرابين والصلوات، وفجأة لاحظنا أنَّ طه قد ابتعد عنا، ثم طلب إلينا أن نحمل إليه مصباحًا قديمًا (وكان ذلك متوفرًا) وأن نشعله بالبخور وأن نستمرَّ في إشعاله” ويقول المقربون من طه حسين إنه كان كلما ذهب إلى استراحته الموجودة حتى الآن في منطقة تونا الجبل يقدم وردة صباحية إلى المومياء النائمة.


لكن من هي إيزيدورا تلك وما قصتها، إنها فتاة مصرية كان عمرها عند موتها 18 سنة، ويبدو من موميائها – التي رأيتها بنفسي في زيارتي الأخيرة للمنطقة – أنها كانت رائعة الجمال، وقد عاشت فى مصر فى  القرن الثانى قبل الميلاد فى عصر الإمبراطور هادريان،  وتحمل المقبرة رقم1 بين مقابر منطقة تونا الجبل.


و”ايزيدورا” ابنة أسرة إغريقية كانت تعيش فى مصر فى مدينة أنتنيوبولس “الشيخ عبادة حالياً” وكان أبوها حاكما للإقليم المعروف حاليا بمحافظة المنيا، وكان قصره الكبير موجودًا فى المدينة، حيث يطل على النيل.


وقعت الفتاة الجميلة فى الحب، فذات يوم خرجت “ايزيدورا” من مدينتها عبر النهر لتحضر أحد الاحتفالات الخاصة بـ”تحوتى” رمز الحكمة والقلم فى مصر القديمة، وهناك قابلت الضابط حابى فتعلقت به وافتتن هو بها، والضابط حابى مصري كان يعيش على الجانب الغربى من النيل فى مدينة خمنو “الأشمونين حاليًا” وكان من قوات الحراسة الموجودة فى المدينة، ومن ثم يعتبر شخصًا عاديَّا من أبناء عامة الشعب المصرى ولم يكن من علية القوم، فلا يوجد أى وجه للمقارنة بينهما من حيث المستوى، ورغم ذلك قال الحب كلمته.


كان حابي وإيزيدورا يتقابلان كل يوم وكل ليلة، فكانت تذهب إليه عند البحيرة، وكان يأتى إليها بجوار قصر أبيها، وبعد ثلاث سنوات من الحب الصادق علم أبوها بذلك، وقرر أن يقف في وجه ذلك الحب، ففى عرفه لا يجب أن ترتبط ابنته ذات الأصول الإغريقية بشاب مصرى، وأبلغ الحراس بتتبعها، وأن يمنعوا ذلك الشاب من مقابلتها، وبالفعل تم تضييق الخناق عليها حتى فكرت في أن الحياة دون حبيبها لا معنى لها فقررت الموت.


أخذت قرارها لكنها أرادت أن تراه للمرة الأخيرة، وبالفعل تمكنت من مغافلة حراسها وذهبت إلى ذات المكان عند البحيرة ولم تخبره بما همت أن تفعله، ودعته وذهبت، حتى إذا بلغت منتصف النهر ألقت بنفسها فى أحضان النيل.


ندم أبوها أشد الندم على ما فعله بابنته، فبنى لها مقبرة جميلة وكتب بها مرثيتين، أما حبيبها فكان مخلصا ووفيا فكان يذهب كل ليلة يشعل شمعة بداخل مقبرتها حتى لا تبقى روحها وحيدة.


ومما جاء في المرثية التي كتبها والدها على مقبرتها “أي ابنتي سوف لا أقدم لك بعد اليوم قرابين مصحوبة بالأنين بعدما عرفت أنك في عداد الآلهة، الوداع يا طفلتي فأنت الآن حورية”.


وتكشف هذه القصة المعبرة في تاريخ مصر عن طريقة تفكير المجتمع في ذلك الوقت، وعن الحب وما يتحكم فيه من عرف اجتماعي ونظرة طبقية، ومع ذلك تحولت هذه القصة إلى أيقونة في عالم الحب، دالة على المحبة التي وصلت إلى حد الاستشهاد.



اقرأ على الموقع الرسمي


اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading