اشراق العالم 24 متابعات عالمية عاجلة:
نقدم لكم في اشراق العالم24 خبر “انتبهوا للإبادة الجماعية القادمة بعد غزة”
الإبادة الجماعية في غزة ليست أمرًا غريبًا. إنها توضح شيئًا أساسيًا عن الطبيعة البشرية، وهو نذير مرعب للمكان الذي يتجه إليه العالم. يبعد معبر رفح الحدودي إلى غزة، حوالي 200 ميل عن مكاني الحالي في القاهرة.
ترقد في الرمال القاحلة لشمال سيناء بمصر نحو 2000 شاحنة، محملة بأكياس الطحين، وخزانات المياه، والطعام المعلّب، والإمدادات الطبية، والأغطية البلاستيكية، والوقود. تقف هذه الشاحنات خاملة تحت الشمس الحارقة.
على بعد أميال قليلة في غزة، يُذبح عشرات الرجال والنساء والأطفال يوميًا بالرصاص والقنابل، والغارات الصاروخية، وقذائف الدبابات، والأمراض المعدية، وذلك السلاح الأقدم في الحصار: المجاعة. واحد من كل خمسة أشخاص يواجه خطر المجاعة بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحصار الإسرائيلي على الغذاء والمساعدات الإنسانية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أطلق هجومًا جديدًا يقتل أكثر من 100 شخص يوميًا، أعلن أن لا شيء سيعيق هذه “الضربة النهائية” التي أطلق عليها اسم “عربات جدعون”. وقال إنّه “لا يوجد أي سبيل” لوقف الحرب، حتى لو أُعيد الرهائن الإسرائيليون المتبقون. وأضاف: “إسرائيل تدمر المزيد والمزيد من المنازل” في غزة. والفلسطينيون “ليس لديهم مكان يعودون إليه”.
وفي اجتماع مغلق تم تسريبه مع مشرعين، قال نتنياهو: “النتيجة الحتمية الوحيدة ستكون رغبة الغزيين في الهجرة خارج قطاع غزة. لكن مشكلتنا الرئيسية تكمن في إيجاد دول تقبلهم”.
لقد تحوّل الشريط الحدودي البالغ طوله تسعة أميال بين مصر وغزة إلى خط فاصل بين الجنوب العالمي والشمال العالمي، خط يقسم بين عالم عنف صناعي وحشي، وصراع يائس يخوضه من تخلّت عنهم الأمم الأغنى.
يمثل هذا الخط نهاية عالم تُحترم فيه القوانين الإنسانية، والاتفاقيات التي تحمي المدنيين، وأبسط الحقوق الأساسية. لقد دخلنا كابوس هوبزي (نسبة إلى توماس هوبز)، حيث يسحق الأقوياء الضعفاء، ولا يُستبعد فيه أي فظاعة، حتى الإبادة الجماعية، حيث تعود العرقية البيضاء في الشمال العالمي إلى وحشية استعمارية منفلتة من كل قيد، تكرس قرونًا من النهب والاستغلال.
إننا نعود زاحفين إلى أصولنا، الأصول التي لم تغادرنا قط، بل اختبأت خلف وعود جوفاء عن الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. النازيون هم كبش الفداء المريح لتراثنا الأوروبي والأميركي المشترك من المجازر الجماعية، كما لو أن الإبادات الجماعية التي نفذناها في الأميركتين وأفريقيا والهند لم تحدث قط، مجرد هوامش غير مهمة في تاريخنا الجماعي.
في الواقع، الإبادة الجماعية هي عملة الهيمنة الغربية. بين عامي 1490 و1890، كانت الاستعمارية الأوروبية، بما في ذلك أعمال الإبادة الجماعية، مسؤولة عن مقتل ما يصل إلى 100 مليون من السكان الأصليين، وفقًا للمؤرخ ديفيد إي. ستانارد. ومنذ عام 1950، وقعت قرابة عشرين إبادة جماعية، بما في ذلك في بنغلاديش، وكمبوديا، ورواندا.
الإبادة الجماعية في غزة ليست استثناء، بل هي جزء من نمط متكرر. إنها نذير لإبادات جماعية قادمة، خاصة مع انهيار المناخ واضطرار مئات الملايين إلى الهرب من الجفاف والحرائق والفيضانات، وتراجع المحاصيل، وانهيار الدول والموت الجماعي.
إنها رسالة غارقة في الدماء منّا إلى بقية العالم: لدينا كل شيء، وإذا حاولتم أخذه منا، فسوف نقتلكم. غزة تدفن كذبة التقدم البشري، وتدحض الأسطورة القائلة إننا نتطور أخلاقيًا.
وحدها الأدوات تتغير. حيث كنا نضرب الضحايا حتى الموت، أو نمزقهم بالسيوف، نحن اليوم نُسقط قنابل تزن 2000 رطل على مخيمات اللاجئين، نرشّ العائلات بالرصاص من طائرات مسيّرة عسكرية، أو نسحقهم بقذائف الدبابات والمدفعية الثقيلة والصواريخ.
الاشتراكي في القرن التاسع عشر لويس أوغست بلانكي، على عكس معظم معاصريه، رفض الفكرة المحورية لدى هيغل وماركس بأن التاريخ البشري يسير في خط تصاعدي نحو المساواة والأخلاق الأعلى.
حذّر من أن هذه “الإيجابية الساذجة” تُستخدم من قبل الظالمين لسحق المظلومين. وقال بلانكي: “جميع فظائع المنتصر، وسلسلة هجماته الطويلة، تتحوّل ببرود إلى تطور دائم وحتمي، كما لو كان تطورًا طبيعيًا. لكن تسلسل الأمور البشريّة ليس حتميًا كالعالم الطبيعي. يمكن تغييره في أي لحظة”.
وحذّر من أن التقدم العلمي والتكنولوجي، بدل أن يكون دليلًا على التقدم، يمكن أن يتحوّل إلى “سلاح رهيب في يد رأس المال ضد العمل والفكر”.
وكتب: “الإنسانية لا تقف في مكانها أبدًا. إما أن تتقدم أو تتراجع. إذا تقدمت، تتجه نحو المساواة. وإذا تراجعت، فإنها تمرّ بكل مراحل الامتياز حتى تصل إلى العبودية، الكلمة الأخيرة في حق الملكية”.
وأضاف: “لست من أولئك الذين يزعمون أن التقدم أمر مفروغ منه، أو أن البشرية لا يمكن أن تتراجع”. يُعرف التاريخ الإنساني بفترات طويلة من الجفاف الثقافي والقمع الوحشي.
سقوط الإمبراطورية الرومانية أدّى إلى بؤس وقمع في أوروبا خلال العصور المظلمة، من القرن السادس إلى القرن الثالث عشر. ضاعت المعرفة التقنية، بما في ذلك كيفية بناء وصيانة القنوات المائية. قاد الفقر الثقافي والفكري إلى فقدان جماعي للذاكرة. طُمست أفكار العلماء والفنانين القدماء.
ولم تبدأ النهضة إلا في القرن الرابع عشر، وكانت إلى حد كبير بفضل ازدهار الثقافة الإسلامية التي، عبر ترجمة أرسطو للغة العربية وسواها، حفظت حكمة الماضي من الزوال. كان بلانكي يعرف ارتدادات التاريخ المأساوية.
شارك في سلسلة من الانتفاضات الفرنسية، منها محاولة تمرد مسلح في مايو/ أيار 1839، وانتفاضة 1848، وكومونة باريس – الانتفاضة الاشتراكية التي سيطرت على العاصمة الفرنسية من 18 مارس/ آذار إلى 28 مايو/ أيار 1871.
حاول العمّال في مدن مثل مارسيليا وليون تنظيم كومونات مشابهة، لكنها فشلت قبل أن تُسحق كومونة باريس عسكريًا. نحن ندخل عصرًا مظلمًا جديدًا. لكن هذا العصر المظلم يستخدم أدوات العصر الحديث من مراقبة جماعية، وتعرّف على الوجوه، وذكاء اصطناعي، وطائرات بدون طيار، وشرطة مُعسكرة، وحرمان من الإجراءات القانونية، واعتداء على الحريات المدنية، ليفرض حكمًا تعسفيًا، وحروبًا لا تتوقف- ولا أمان- وفوضى، ورعبًا، وهي السمات المشتركة للعصور المظلمة. الثقة في خرافة “التقدم الإنساني” لإنقاذنا تعني الخضوع للقوة الاستبدادية.
وحدها المقاومة – من خلال الحشد الجماهيري، وتعطيل ممارسة السلطة، خاصة في وجه الإبادة الجماعية – قادرة على إنقاذنا. تطلق حملات القتل الجماعي الصفات الوحشية الكامنة في كل البشر. فالمجتمع المنظم، بقوانينه وآدابه وشرطته وسجونه وتنظيماته، هي أدوات قسرية تحاصر هذه الوحشية الكامنة.
لكن إذا أزيلت هذه العوائق، يصبح الإنسان- كما نرى مع الإسرائيليين في غزة- حيوانًا قاتلًا مفترسًا، يفرح بنشوة الدمار، حتى لو شمل النساء والأطفال. ليت هذا مجرد افتراض. لكنه ليس كذلك. هذا ما شهدته في كل حرب غطيتها. نادرون من يكونون بمنأى عنه.
الملك البلجيكي ليوبولد، في أواخر القرن التاسع عشر، احتل الكونغو باسم “التحضر” و”مكافحة العبودية”، لكنه نهب البلاد، متسببًا بموت نحو 10 ملايين كونغولي نتيجة الأمراض والمجاعة والقتل.
جوزيف كونراد التقط هذا التناقض بين ما نحن عليه وما نزعم أننا عليه، في روايته “قلب الظلام” وقصته “موقع للتقدم”. في “موقع للتقدم”، يروي قصة تاجرين أوروبيين، كايرتس وكارلييه، أُرسلا إلى الكونغو. يدّعيان أنهما في أفريقيا لنشر الحضارة الأوروبية.
لكن الملل، والروتين الخانق، والأهم غياب أي ضوابط خارجية، يحوّلهما إلى وحوش. يتاجران بالعبيد مقابل العاج ويتشاجران على الطعام والمؤن القليلة. في النهاية، يقتل كايرتس رفيقه الأعزل كارلييه. كتب كونراد عن كايرتس وكارلييه: “كانا شخصين تافهين وعاجزين تمامًا، لا تستقيم حياتهما إلا بفضل التنظيم العالي لحشود المجتمعات المتحضرة.
قليلون من يدركون أن حياتهم، وجوهر شخصيتهم، وقدراتهم وجرأتهم، ليست سوى تعبير عن إيمانهم بأمان محيطهم. الشجاعة، والاتزان، والثقة؛ المشاعر والمبادئ؛ كل فكرة كبيرة أو تافهة لا تنتمي للفرد، بل للحشد: الحشد الذي يؤمن أعمى بقوة مؤسساته وأخلاقه، بسلطة شرطته ورأيه العام. لكن التماس مع الوحشية الصافية، والطبيعة البدائية والإنسان البدائي، يزرع اضطرابًا عميقًا ومفاجئًا في القلب.
فمع شعور المرء بأنه وحيد في نوعه، ومع إدراكه وحدة أفكاره ومشاعره، ومع نفي المألوف الذي يمنحه الأمان، يبرز حضور غير المعتاد -المجهول والخطير- باقتحام يربك الخيال ويختبر أعصاب المتحضّر، أكان ساذجًا أم حكيمًا”.
لقد فجّرت الإبادة الجماعية في غزة كل الأقنعة التي نخدع بها أنفسنا ونحاول بها خداع الآخرين. تسخر من كل قيمة ندّعي التمسك بها، بما في ذلك حرية التعبير. إنها شهادة على نفاقنا وقسوتنا وعنصريتنا.
لا يمكننا، بعد تقديمنا مليارات الدولارات من الأسلحة، واضطهادنا من يعترضون على الإبادة الجماعية، أن نواصل إطلاق مزاعم أخلاقية يمكن أخذها على محمل الجد.
من الآن فصاعدًا، ستكون لغتنا هي لغة العنف، ولغة الإبادة، وعواء الوحشية في هذا العصر المظلم الجديد، عصر تجوب فيه الأرض قوة مطلقة، وطمع لا حدود له، وهمجية لا رادع لها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
الجدير بالذكر أن خبر “انتبهوا للإبادة الجماعية القادمة بعد غزة” تم نقله واقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق اشراق العالم 24 والمصدر الأصلي هو المعني بما ورد في الخبر.
اشترك في نشرة اشراق العالم24 الإخبارية
الخبر لحظة بلحظة
اشرق مع العالم
اقرأ على الموقع الرسمي
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
روابط قد تهمك
مؤسسة اشراق العالم خدمات المواقع والمتاجر باك لينكات باقات الباك لينك
اكتشاف المزيد من في بي دبليو الشامل
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.